خسر المقاطعون، وغضب الإرهابيون، وانحسر الإخوانيون، وفشل الحمديون والأردوغانيون، وخرج المصريون إلى صناديق الانتخاب لا لكى ينتخبوا السيسى، ولكن ليعلنوا للعالم أجمع أن المصريين يريدون القضاء على الفوضى، واسترداد الدولة، ومواجهة الإرهاب، واستكمال البناء، والحفاظ على الهوية المصرية، وتثبيت الأمن، وعودة الأمان، ومعالجة المشكلة الاقتصادية، والاستمرار للوصول إلى تغيير الفكر الدينى، وبداية خطة تعليمية للوصول إلى تعليم عصرى، وأنهم ينتظرون تأمينًا صحيًا حقيقيًا لكل مواطن مصرى بلا تفرقة، وأنهم يطالبون بخطاب ثقافى وإعلامى يساير العصر، ويحافظ على القيم، ويعزز الأخلاق، ويسمو بالروح، ويغذى العواطف، ويسمو بالإحساس.. نعم خرج المصريون على الرغم من كل ما يحيط بالانتخابات من مشاكل ومناخ تربصى ومعاناة اقتصادية، دفع ولايزال يدفع فاتورته ويتجرع دواءه المر المواطن الفقير غير القادر.
فى مناخ مازال الإرهاب يهدد ويتوعد ويخوف، ولكن الشعب قال وأكد بخروجه أنه لا يخاف ولا يتهدد، وأنه مع الدولة جيشًا وشرطة لمواجهة هذا الإرهاب. كانت الانتخابات فى مناخ غير مواتٍ سياسيًا، حيث الحياة الحزبية شكلية والحياة البرلمانية يسيطر عليها المستقلون نتيجة لهذا الغياب ولذلك الركود. ومع فكرة المستقلين السياسيين تغيب الرؤية السياسية الصحيحة، وتتوارى البرامج الحزبية، خاصة فى ظل غياب ما يسمى بحزب الأغلبية المفترض أن يكون هو الحزب الحاكم.. نعم يمكن أن نعتبر أن هذا المناخ بكل تفصيلاته وجزئياته كان نتيجة لهذه الظروف السياسية الاستثنائية التى لحقت 25 يناير، وصولاً لعام حكم الإخوان الذى زاد من الفوضى وكرس الانقسام، وحجم التوحد المصرى، واستبعد التوافق الوطنى، حيث الأخونة والاستحواذ للجماعة وأتباعها. كان مناخًا استثنائيًا نتيجة لما حدث بعد 30 يونيو وبعد إسقاط الإخوان من عمليات إرهابية لا تقبل بغير إسقاط الوطن، ومن محاصرة دولية بحجة عدم التعاون على انقلاب أسقط حكمًا شرعيًا وديمقراطيًا، ومن محاصرة اقتصادية تحول فيها الاقتصاد بعد 25 يناير إلى مصطبة العمدة التى توزع يمينًا ويسارًا بهدف المجاملة والمسايرة لشعارات ثورية شعاراتية نظرية لا علاقة لها بالاقتصاد حتى واجه الوطن حالة إفلاس حقيقى، ظرف استثنائى، حيث كانت كل هذه العوامل سببًا فى انحدار الأخلاق، وسقوط القيم، ونشر الفوضى المجتمعية، والتهاون فى القانون، ولكن لا شك أنه الآن يمكن أن نقول بعد حصاد الأعوام الأربعة السابقة فى الرئاسة الأولى للسيسى قد تغير الموقف بكل المقاييس، فهناك إنجازات يؤيدها المؤيدون ولا ينكرها المعارضون، خاصة فيما يخص محاولة استرداد الدولة من شبه الدولة، وإعادة الأمن والاستقرار، والبدء فى معالجة المشكلة الاقتصادية حتى إن كان الثمن على الفقراء، وإن كان حتى الآن لم يتم توزيع أعبائها على الجميع، فقراء وأغنياء. كانت هناك إنجازات لمشروعات عملاقة تستهدف مسقبلاً مشرقًا لمصر، حتى وإن كان هناك خلاف على الأولويات.
هناك مواجهة حقيقية للإرهاب، خاصة على المستوى الأمنى، حققت كثيرًا من النتائج، وحسمت كثيرًا من المعارك، وإن كنا لم نبدأ بعد المعركة الشاملة والكاملة لوأد الأفكار الإرهابية، وهى الخطر الدائم، والذى لابد من مواجهته أمنيًا وسياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وتعليميًا وثقافيًا وإعلاميًا، وبالطبع دينيًا. كانت هناك سياسة خارجية غيرت كثيرًا من المعادلة، وأعادت كثيرًا من العلاقات المتوازية التى أدركت الحقيقة، حتى أننا على ذلك استطعنا تنويعًا حقيقيًا، وعلى أعلى مستوى، للسلاح بكل فروعه، ومن كل الدول الكبرى. هذا إنجاز مهم ولا ينكره غير الجاحد والحاقد وصاحب الهوى والذاتية، نعم هذه الظروف الاستثنائية جعلتنا نهتم بكل هذه المشاكل، ونواجه كل هذه المصاعب، ونستعيد قوتنا لمواجهة هذه التحديات، فالتف الجميع حبًا فى الوطن، وخوفًا على مصر، وأملاً فى الاستقرار حول السيسى قيادة لنظام يونيو الذى صنعه المصريون مع جيشهم الباسل، هنا لم ننظر ولم نهتم من باب الأولويات، حسب ما اعتقد الكثيرون، والحياة السياسية، والممارسة الحزبية، وفتح المجال العام، خاصة أن أوراق اللعبة الخارجية كانت تلعب بأوراق الديمقراطية السياسية، وما يسمى بحقوق الإنسان فى الإطار السياسى، وكأنه لا يوجد حقوق إنسان خاصة فى ظروف مصر وظروف ما بعد يناير 2011، حقوق إنسان فى الإطار الاقتصادى والسياسى والاجتماعى والحياتى بشكل عام من طعام وتعليم وصحة.. إلخ.. كان الواقع السياسى عددا كبيرا من الأحزاب جاءت فى غفلة من الزمن بعد يناير، وكأن الحرية والممارسة الديمقراطية لا تكون بغير هذا العدد من الأحزاب التى لا وجود لها على أرض الواقع، والتى لا علاقة لها بالعمل السياسى والحزبى أو الجماهيرى.
كان الواقع السياسى يموج بما يسمى بنخبة سياسية تمتلك برامج حزبية نظرية لم تختبر فى الشارع مع الجماهير، كانت تمتلك شعارات ثورية لم تستعمل إلا فى مظاهرات الشارع خاصة بعد إعلان «كفاية» 2004. كانت تسيطر على هذه النخبة الشللية والنفعية والذاتية، وأنا هنا لا أبالغ على اعتبار أننى كنت شريكًا لهذه النخبة حتى 25 يناير 2011، ثم أخذت موقفًا خاصًا بعد فوضى 28 يناير 2011، وإدراكى المبكر بقدوم الفوضى، حيث لا يوجد بديل، ولن تكون هذه النخبة بديلًا لنظام مبارك، وقد أعلنت ذلك فى وسائل الإعلام منذ مساء 28/1/2011.. هنا لابد من التقييم الموضوعى لكل الأحداث، حيث إنه لا نجاح ولا فلاح لأى نظام أو حزب أو جماعة بدون تقييم علمى وموضوعى حتى نرى المستقبل الزاهر لمصر.
يتبع