«المال السايب يعلم السرقة»، وكان الدعم دائمًا هو أكثر مال سايب، يذهب لمن لايستحق، أو يتم نهبه. ويفترض ونحن لدينا إمكانات تكنولوجية أن يتم ضبط قواعد المعلومات بشكل يقلل من البيروقراطية، ويعاقب على الكذب والبيانات الخاطئة. نقول هذا بعد اكتشاف أن أكثر من 11 ألفًا يحصلون على معاش تكافل وكرامة بدون وجه حق فى محافظة الأقصر وحدها، وأن عشرات الموظفين أصدروا أكثر من 300 فيزا لأقاربهم ممن لايستحقون المعاش، بينما يحرم المستحقون الفقراء. والقضية تم اكتشافها منذ شهور وتخضع للتحقيق، وبسببها تم وقف صرف المعاشات للكل حتى يتم تحديث المخالفين والمتواطئين.
هذه القضية تتكرر بدرجات مختلفة فى محافظات مختلفة، الأمر الذى يحتاج بالفعل إلى تحرك الجهات المعنية بوزارة التضامن والجهات الرقابية لكشف هذا الفساد. وأيضًا تشديد العقوبة على تقديم البيانات الخاطئة أو الحصول على معاش من دون وجه حق. فإذا كان بعض القادرين يستحلون لأنفسهم الحصول على راتب تكافل وكرامة بالتحايل، فلا يمكن الرهان على ضمائرهم فقط، لكن الأمر يستدعى تغيير النظام الذى على أساسه يتم صرف «تكافل وكرامة» والاعتماد على قاعدة بيانات حديثة لسد الثغرات التى ينفذ منها الفاسدون والمتواطئون. بالإضافة إلى تشديد العقوبة على سرقة أموال الفقراء، وهى جريمة يفترض أن تواجه بعقاب رادع، فضلًا عن التعامل مع من يقدمون بيانات خاطئة عن أحوالهم الصحية والاجتماعية باعتبارهم مزورين.
القومسيون الطبى كشف عن أن مايقرب من نصف الحاصلين على معاش تكافل وكرامة قدموا أوراقًا مزيفة، فى محافظة الأقصر وهو أمر يحتمل تكراره فى كل محافظة، وهناك فى المحافظات مخالفات تم كشفها وأخرى لم يتم كشفها.
القضية تستحق المزيد من الاهتمام وتغيير الطريقة التى تتم بها، وربطها بقاعدة معلومات حقيقية وتخفيف البيروقراطية مع تشديد عقوبة البيانات الكاذبة، لأن الموظفين الفاسدين يستغلون تعقيدات الأوراق فى حرمان من يستحق، والتواطؤ لصالح أقاربهم أو معارفهم أو شركائهم. ولهذا يساهم التخفيف وقواعد البيانات فى إغلاق الأبواب التى ينفذ منها الفساد.
فى الأقصر وحدها فحص الكومسيون الطبى 20 ألف حالة واتضح أن أكثر من نصفهم قدم تقارير طبية مزيفة عن عجز أو مرض، وأنهم لايستحقون وبعضهم ملاك أراضٍ أو مشروعات ومستورين وليسوا بحاجة لمعاش التكافل الذى يحرم منه فقراء مستحقون.
منذ السبعينات وكانت هناك عمليات تلاعب، كان يستغل بعض موظفى التأمينات الاجتماعية أمية الفقراء والأرامل، ويحصلون على أختامهم ليستخرجوا معاش الضمان، وكان الفاسد يصرف المبلغ لنفسه، يقتسمه مع الفقير وكثير من هذه الحالات لم يكتشف. وهو ما يتكرر اليوم حيث يتم التلاعب بمعرفة القائمين على الأمر مثلما اتضح فى الأقصر وبعض المحافظات الأخرى، ويتم التواطؤ بين الموظفين وبعض موظفى الصحة أو الأطباء ليستخرجوا شهادات مزيفة بالعجز أو المرض، أو بحوث اجتماعية مزيفة.. وهو ما يشير إلى أن التواطؤ يتم ممن يفترض أنهم أمناء على المال العام، يعنى «القط معه مفتاح الكرار».
يقترب عدد الحاصلين على تكافل وكرامة من مليونى مواطن، وفى حالة تنقية الأسماء من المزيفين ومن لايستحقون يمكن مضاعفة أعداد المستفيدين فعلًا من الفقراء. مع الأخذ فى الاعتبار أن بعض التقديرات تشير إلى أن ما يقرب من ثلث الدعم يتسرب من ثغرات الفساد، وفى حالة تطوير أنظمة الصرف، وتدعيمها بالتكنولوجيا وقواعد المعلومات وتقليل الاحتكاكات مع الموظفين. يمكن التقليل من الثغرات والفساد.