قضية سرقة أموال «تكافل وكرامة»، ووصولها لمن لا يستحقون وحرمان المستحقين منها يفترض أن تلفت النظر إلى أهمية سد الثغرات التى ينفذ منها الفساد، خاصة وقد تضاعفت أعداد الناس، وأصبح من الصعب التعامل بالطريقة القديمة التى تعتمد على أوراق وأختام من السهل تزييفها مثلما جرى فى الأقصر.
وإذا كنا نتحدث عن 11 ألفا حصلوا على تكافل وكرامة بدون وجه حق فى محافظة واحدة، فما بالنا بكل المحافظات والمراكز، هذا يعنى أن جزءا ضخما من المال العام المخصص لدعم الفقراء والمحتاجين، يصل إلى ناس قادرين نجحوا فى تقديم أوراق مزيفة على أنهم مرضى أو محتاجون بينما هم قادرون وبعضهم أثرياء.
كانت هناك دائما ثغرات يستغلها اللصوص لنهب أموال الدعم طوال عقود، التى تقدر فى بعض الأحيان بحوالى ثلث الأموال المخصصة للدعم، وهى أرقام بعشرات المليارات، والمفارقة أن بعض الفقراء المحتاجين فعلا لأموال تكافل وكرامة يعجزون عن استيفاء أوراقهم أو يتم استبعادهم بينما يحصل القادرون على الأموال.
تكرار هذه المخالفات تعنى أن هناك ثغرات تسمح بهذه السرقات العلنية. والسبب غالبا أن البيروقراطية تتعامل فقط مع شهادات وأختام وأوراق يمكن للشطار الحصول عليها بطرق ملتوية، ليحصلوا على ما ليس حقهم بينما المستحق فعلا قد يعجز عن استكمال أوراقه.
والأمر لا يتعلق فقط بالفساد فى تكافل وكرامة وحصول نسبة كبيرة على معاش ليس من حقهم، ولكنه يتعلق بكل تفاصيل الدعم أو المواد التموينية، وهناك عشرات القضايا التى ضبطتها أجهزة الرقابة بالمحافظات يتم فيها نهب عشرات الملايين من السلع المدعمة.
دائما كانت قضية الدعم والرعاية الاجتماعية، من أهم وأخطر الملفات التى تبدو مستعصية على الحل، نسبة ضخمة من مليارات الدعم تذهب بالتواطؤ والفساد بين أطراف عديدة لغياب المعلومات، وفى حال استعملنا المعلومات لرسم خارطة اجتماعية للمواطنين، يمكن تحديد من يستحق ولم لا يستحق، ونفس الأمر فى كل مشكلاتنا، المرور والمواصلات والأسعار وغيرها، يمكن تقليل العنصر البشرى، وزيادة أدوات العلم، عندها نغلق الكثير من أبواب الفساد.
ويمكن فى حال الاستفادة من هذه الإحصاءات أن تكون لدى الدولة قاعدة معلومات يمكن البناء عليها فى تحديد الدخل والدعم والعلاج، ويمكن أن يتم توظيف ووضع هذه المعلومات فى بطاقة واحدة، للدعم والمعاش والعلاج إلخ.. وهناك تجارب لدول كثيرة نجحت فى استعمال تكنولوجيا المعلومات فى بناء قاعدة معلومات واسعة تحدد كل التفاصيل التى يتعامل معها المواطن يوميا.
مرات كثيرة تحدثنا عن أهمية الاستفادة من تكنولوجيا عصر المعلومات، وأن لدينا أجهزة إحصاء تقدم أرقاما وإحصائيات عن التعداد والخريطة الاجتماعية والاقتصادية، لكننا لا نستفيد من هذه البيانات. ننفق مليارات على التعداد والإحصائيات والهدف ليس فقط أن نستعرض هذه الأرقام، لكن أن يتم توظيفها بالشكل الذى يسهل تقديم الخدمات وإصلاح الأخطاء.
لدينا بيانات وأرقام ومعلومات دقيقة عما نملكه وما نحتاجه، ويقوم جهاز الإحصاء بدوره، ويقدم كل هذه التقارير يوميا وأسبوعيا وشهريا وفصليا. ولا توجد جهة أو جهات تحلل هذه البيانات لتستخدمها فى وضع قاعدة معلومات، يمكن الاعتماد عليها لرسم خارطة وقاعدة معلومات اجتماعية فى هذه الحالة، يمكن أن ندخل عصرا مختلفا، لأن العالم كله اليوم يقوم على البيانات والكاميرات وأدوات الاستشعار. نحن لا نعانى من نقص المعلومات، لكن من العجز عن توظيفها.. أغلب أزماتنا يمكن حلها بتوظيف المعلومات والبيانات، ونبدو كثيرا مثل الأطرش فى الزفة.
نظرة واحدة على تقارير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء تكشف عن أرقام وبيانات ومعلومات مهمة، يقدمها الجهاز تتجاوز التعداد إلى خرائط السكان والطبقات الاجتماعية والسكن والشوارع. جهاز الإحصاء تطور بشكل كبير ويوظف التكنولوجيا والاتصالات، وهو ليس جهازا فى تعداد المواليد والوفيات. ومن خلال توظيف قاعدة المعلومات يمكن ضبط الكثير من التسربات فى الدعم والمال العام، لأنها تقلل من العنصر البشرى وتسهل كشف أى تلاعب فى الأوراق والبيانات. وتمنع التلاعب الذى يجرى اليوم ورأيناه فى نهب مليارات تكافل وكرامة ممن يستحقونها لمن لا يستحقون.
والأمر يستلزم تغيير النظام الذى على أساسه يتم صرف «تكافل وكرامة» والاعتماد على قاعدة بيانات حديثة لسد الثغرات التى ينفذ منها الفاسدون والمتواطئون. وعلى رأى المثل فإن قاعدة معلومات حديثة تغنى عن بلاوى كتيرة، وعن سؤال وتلاعب اللئيم والفاسد.