سألوا جحا زمان: «أعز أيامك إيه يا جحا».. فرد قائلًا: «لما كنت أعبى التراب فى الطاقية»، يعنى أنه كان خالى البال حينما يلعب مستخدمًا التراب فى اللعب.
كما يقول الفيلسوف الألمانى فريدريك شيلر: «يكون الإنسان إنسانًا حين يلعب»، ويقصد هنا أن الوجدان الإنسان يتأثر منذ الصغر بالألعاب التى يعتاد عليها، خاصة أنها تساعد فى تكوينه الاجتماعى والبدنى والنفسى وتنمية فكره.
من منا لا يتذكر الألعاب الشعبية القديمة الشهيرة التى تربينا عليها وكانت تنتشر فى كل أنحاء المحروسة مثل: الحجلة أو «الأولى»، السيجة، التحطيب «المبارزة بالعصى»، سباق الجرى، الاستغماية، لعبة الحصان، الكراسى الموسيقية، عروستى، على العالى وعلى الواطى، ألعاب الكازوز، البلى، النحلة، الكرة الشراب، الطيارات الورقية، نط الحبل، وغيرها من الألعاب الأخرى.
كل هذه الألعاب كان لها تأثير فى شخصيتنا نحن أبناء جيل الثمانينيات ومن سبقونا، خاصة أنها تنمى لدينا الذكاء الفطرى وتساعد فى تكوينا الاجتماعى والبدنى والنفسى، وذلك على عكس الأجيال الحالية التى تعانى كثيرًا من الألعاب الإلكترونية المنتشرة فى كل البيوت، وأصبحت بديلة عن الألعاب الشعبية، ولما لها من آثار سلبية كتهديد الطفل بالانعزالية والوحدة والانطواء، إذا كان هنالك استعداد لذلك، لأنها تخلق للطفل عالمًا افتراضيًا خاصًا به وتبعده عن العالم الواقعى، ويجد الطفل صعوبة فى إقامة علاقات اجتماعية سوية مع البشر، وقد يصل الأمر لدى البعض إلى الإدمان الحقيقى.
أنت كأب حاليًا حينما تنتهى من مهام عملك وتعود إلى منزلك تجد مشهدًا واحدًا شبه مكرر وهو انفراد ابنك أو ابنتك بالموبايل أو الآيباد من أجل اللعب، وهو ما يجعله منفصلا عنك وجدانيًا وعن جميع من حوله اجتماعيًا.
لعل ما نسمع عنه حاليًا، بزيادة حالات الانتحار بين الأطفال فى سن المراهقة بسبب لعبة «الحوت الأزرق»، وآخرها على سبيل المثال واقعة انتحار نجل البرلمانى السابق حمدى الفخرانى، فهذه اللعبة وغيرها من الألعاب الإلكترونية الأخرى التى تتسبب فى اغتصاب عقول أبنائنا يجب التصدى لها بقوة.
الأزمة تكمن هنا فى غياب دور الأب والأم بتوعية الأبناء من خطورة هذه الألعاب والتأكيد عليهم بوجوب ترتيب أوقاتهم بين الألعاب الهادفة والتواصل الأسرى بين جميع أفراد العائلة وغيرها من الأمور الأخرى كممارسة الرياضة والذهاب إلى السينما أو المسرح أو المناطق السياحية مثلًا.
الأهم هنا أيضًا، هو إعادة تعريف الأجيال الحالية بالألعاب الشعبية لأنها جزء من تراثنا القديم، وبرغم اختلافها فى الشكل والمضمون من محافظة إلى أخرى، إلا أن هدفها واحد وهو خلق عقل رياضى يرتكز على التفكير والإبداع، من خلال تعلم الطفل كيفية أن ينتج اللعبة بنفسه، كما أنها تساعد كثيرًا على إفراغ طاقة الطفل بشكل كبير فى شىء إيجابى، مما تساعد على نشأته نشأة صحية وسليمة.
فى الختام، يجب التأكيد أن العودة إلى الألعاب الشعبية القديمة ليس من دورها فقط المساعدة فى تنمية الطفل وإنقاذه من شبح «الحوت الأزرق»، بل هى تحافظ على هوية وطننا العربى أمام خطر العولمة، الذى يأتى لنا من العالم الغربى لنقطف منه أسوأ ما فيه، حتى أصبحنا نحن الكبار قبل الصغار نستخدم التطور التكنولوجى بشكل سلبى أثر على عاداتنا وتقاليدنا وأظهر وجوهًا شيطانية تداهمنا من خلف «كيبورد» لتنشر السموم بيننا عبر مواقع «التواصل الاجتماعى».. فهل آن الأوان للتصدى بكل قوة وحسم لهؤلاء الشياطين من أجل إنقاذ أبنائنا من الضياع؟!
«نحن لمنتظرون».