"إذا فتحت أبواب خير فأقبلوا موائد أهل الله خير الموائد" هكذا قال العارف بالله الإمام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى أحد مشايخ الصوفية فى حديثه عن فضل الاحتفال بموالد آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، محبة آل البيت جزء أساسى فى تكوين المصريين، فمعظم آل بيت النبوة استقروا فى مصر المحروسة ودفنوا فيها، وتعلق المصريين بمقاماتهم من شدة حبهم لهم ولجدهم "المصطفى"، حيث يحرص آلاف المصريين على إحياء موالدهم التى يجدون فيها الفرح الذى ينسى البسطاء همومهم ويبعث فى قلوبهم السرور.
حلت على مصر المحروسة ومحافظاتها الفرحة والسرور بافتتاح موالد آل بيت رسول الله ومن بينها:
-السيدة زينب رضى الله عنها وأرضاها
السيدة زينب هى البنت الكبرى للسيدة فاطمة الزهراء والإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه، ولدت فى شهر شعبان بعد مولد شقيقها الحسين بسنتين، وعاصرت إشراق النبوة عدة سنوات، وسماها الرسول -صلى الله عليه وسلم - "زينب" على اسم ابنته، تزوجت السيدة زينب بابن عمها عبد الله بن جعفر الطيار بن أبى طالب، وأنجبت منه جعفر وعلى وعون الأكبر وأم كلثوم وأم عبد الله، وعاصرت حوادث كبيرة عصفت بالخلافة الراشدة بمقتل أبيها على كرم الله وجهه، وبعده وفاة الحسن بن على، وإصرار يزيد بن معاوية على أخذ البيعة من الحسين، خرج الحسين وأهله ومنهم أخته زينب من المدينة سرا متجهين إلى الكوفة بعد أن وصلتهم رسائل أهل الكوفة تدعوهم إلى القدوم وتتعهد بنصرتهم ضد الأمويين، كما شهدت معركة كربلاء استشهاد أخيها الإمام الحسين وابنها عون فى المعركة ومعه ثلاث وسبعين من آل البيت والصحابة وأبناء الصحابة.
وفى عام 61 من التقويم الهجرى، أمر يزيد بن معاوية الأموى، بإخراج السيدة زينب بنت الإمام على بن أبى طالب، خارج حدود المدينة، طالبًا منها أن تختار لها بلدًا تسكن فيه، بعد أن أصبح بقاؤها يؤجج نيران الثورة ضد الخلافة الأموية، فأبت فى أول الأمر وقالت: "أأترك بلد أبى وجدى"، فقال لها عبد الله بن عباس :"يا ابنة بنت رسول الله، اذهبى إلى مصر، فإن فيها قومًا يحبونكم لله، ولقرابتكم لرسول الله، وإن لم تجدى أرضًا تسكنيها هناك، فستجدين قلوب أهلها وطنًا".
اختارت السيدة زينب مصر لتقيم فيها، لتكون أول نساء أهل البيت اللاتى شرفن أرض مصر بالمجىء إليها، ووصلت إليها فى شعبان عام 61 هجرية، وعلى مشارف مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، خرج لاستقبالها جموع المسلمين بالدفوف والزغاريد، وعلى رأسهم والى مصر الأموى آنذاك مسلمة بن مخلد الأنصارى، وأقامت فى بيت الوالى حتى وافتها المنية فى الـ14 من شهر رجب عام 62 هجرية، ودفنت فى بيت الوالى، الذى تحول إلى ضريح لها فيما بعد، وفى شهر رجب من كل عام، يحرص آلاف المصريين، على إحياء المولد الرجبى للسيدة زينب، واحتفل المصريون بالليلة الكبيرة لـ"رئيسة الديوان" أمس الثلاثاء واليوم الليلة اليتيمة للمولد الرجبى.
-السيد البدوى "شيخ العرب"
السيد البدوى يعد ثالث أقطاب الولاية الأربعة لدى الطرق الصوفية، ولد "شيخ العرب"بمدينة فاس المغربية سنة 596 هـ/1199 م وكان سادس أخوته، وهاجر مع أسرته فى عام 1206 من فارس إلى مكة فى رحلة استغرقت حوالى أربع سنوات، وقد مروا بمصر فى طريقهم وعاشوا فيها فترة ثلاث سنوات، كما طاف شمال العراق وجنوبه، وبعد مرور عام قضاها البدوى فى ربوع العراق، عاد إلى مكة، فى نفس عام عودته إلى مكة، قرر البدوى الرحيل إلى مصر، وبالتحديد إلى طندتا "وهى طنطا حاليا"، ينسب إلى شيخ العرب العديد من الكرامات، أشهرها ما يتداوله العامة أنه كان ينقذ الأسرى المصريين من أوروبا الذين تم أسرهم فى الحروب الصليبية، وتوفى يوم الثلاثاء الموافق 12 ربيع الاول 24/675 أغسطس 1276 بمدينة طنطا عن عمر يناهز 79 عاما، وبنى مسجده وكان فى البداية على شكل خلوة كبيرة بجوار القبر، ثم تحولت إلى زاوية للمريدين، ثم بنى له على بك الكبير المسجد والقباب والمقصورة النحاسية حول الضريح، ويحرص المصريون على إقامة احتفالين لمولد السيد البدوى أحدهما فى شهر أبريل يسمى بالمولد الرجبى، والآخر فى أكتوبر، ومن المقرر أن يبدأ الاحتفال بالمولد الرجبى غدا الخميس.
-سيدى إبراهيم الدسوقى
"أنا القطب شيخ الوقت فى كل مذهب، أنا السيد البرهان شيخ الحقيقة"، هكذا تحدث "أبا العينين" العارف بالله سيدى إبراهيم القرشى الدسوقى عن نفسه، يعد آخر أقطاب الولاية الأربعة لدى الصوفية، ولقب نفسه بالدسوقى نسبة إلى مدينة دسوق التى نشأ فيها، وعاش بها حتى وفاته، وينتهى نسبه من جهة أبيه إلى الحسين بن على بن أبى طالب، وجده لأمه هو أبو الفتح الواسطى خليفة الطريقة الرفاعية فى مصر، تأثر الشيخ الدسوقى بأفكار أبو الحسن الشاذلى، وكان على صلة بالسيد أحمد البدوى الذى كان معاصرا له، وتولى منصب شيخ الإسلام فى عهد السلطان الظاهر بيبرس البندقدارى، وينسب له العديد من الكرامات الخارقة للعادة، من بينها: "أن أحد تماسيح النيل خطف صبيا من على شاطئ دسوق، فأتت أمه مذعورة إلى الدسوقى تستنجد به، فأرسل نقيبه فنادى بشاطئ النيل معشر التماسيح من ابتلع صبيا فليطلع به، فطلع ومشى معه إلى الشيخ فأمره أن يلفظ الصبى فلفظه حيا فى وجود الناس"، ورويت له كرامة أخرى، أنه سافر إلى قرية "دمنهور الوحش" بمدينة زفتى فى محافظة الغربية، فمر ببئر فطلب منها ماء ليشرب، فقيل له أن ماءها مالح فتفل فيها فتحولت لمياه عذبة..وتُوفى عام 696هـ/1296 عن عمر يناهز 43 عاماً، ويقام له احتفالان سنويا بمدينة دسوق، أحدهما فى شهر أبريل يسمى بالمولد الرجبى، والثانى فى أكتوبر وهو الاحتفال بمولده الذى يُعد من أكبر الاحتفالات الدينية فى مصر، ومن المقرر أن يحتفل المصريين بالمولد الرجبى ل"أبا العينين" الجمعة القادمة الموافقة 20 ابريل الجارى.
ختاما..ارتبط المصريون ارتباطا وثيقا بأضرحة آل بيت المصطفى وأولياء الله الصالحين، حبا لهم واكتسابا لبركتهم، كما أوصانا النبى صلى الله عليه وسلم :"أذكركم الله فى أهل بيتى"..ففى حب آل البيت تجد الشفاعة والرضى من جدهم طه المصطفى.