كل الأطراف تتحدث باسم القانون الدولى، بينما القانون هو الغائب الرئيسى فى مجلس الأمن والأمم المتحدة، سواء فيما يتعلق بسوريا أو فلسطين أو غيرها من القضابا العربية.
السائد هو قانون القوة الذى تفرضه الدول الكبرى، فرضته الولايات المتحدة عندما أفشلت قرار مجلس الأمن برفض قرار الرئيس الأمريكى بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهددت مندوبة الولايات المتحدة الدول التى تعارض إرادة أمريكا المنفردة بأنها سوف توضع فى قائمة الخصوم، لهذا لا يبدو دفاع المندوبة الأمريكية عن القانون الدولى مقنعا وهى تدعو لقرار أمريكى بتشكيل آلية للتحقيق فى الكيماوى بسوريا.
وفى المواجهة ترفع روسيا الفيتو لإفساد مشروع القرار الأمريكى، وتتقدم بمشروع قرار بتشكيل آلية تحقيق من مجلس الأمن، وطبيعى أن يتواجه الفيتو الأمريكى مع نظيره الروسى لتظهر ملامح الجبهة الجديدة التى انتقلت إليها الحرب من أوروبا إلى الشرق الأوسط ويظل الغموض محيطا بمصير الحرب التى يمكن أن تشنها الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين على سوريا لتضاعف من حجم الدمار الذى يعيشه السوريون طوال سبع سنوات.
بريطانيا نقلت جبهة الحرب مع روسيا إلى سوريا، بعد أن خسرت جولة الجاسوس السابق سكريبال، ومعها فرنسا وبالطبع الولايات المتحدة لأن ترامب وجدها فرصة لاختبار لعبة النفوذ مع روسيا، وعلى العكس من قرار ترامب المفاجئ بسحب القوات الأمريكية من سوريا، بدت الهجمات الكيماوية سببا كافيا لبقاء القوات الأمريكية، وقد كانت الخارجية والاستخبارات الأمريكية تعارضان قرار سحب القوات من سوريا، وقدم لهم الكيماوى تأييدا لوجهة نظرهما.
روسيا هى أحد أطراف الصراع فى سوريا، وصاحبة النفوذ الأكبر، لكن الولايات المتحدة تضع فى اعتبارها إيران، وسط توترات وتهديدات بإلغاء الاتفاق النووى أو تعديله بشروط جديدة، إيران حاضرة فى الجبهة السورية الروسية، وبالتالى فإن المواجهة فى سوريا متعددة الأطراف وأكثر تعقيدا مما قد يبدو على السطح، وصراع الفيتو المتبادل هو قمة الجبل الغاطس لصراع يزداد تعقيدا كلما بدا أنه فى سبيله إلى الحل.
الجيش السورى بدعم من روسيا وإيران يتجه نحو حسم الكثير من المعارك وتحقيق انتصارات على الميليشيات التكفيرية لعشرات التنظيمات، ولهذا يبدو إخراج ورقة السلاح الكيماوى سيناريو مكرر سبق إظهاره ثلاث مرات خلال السنوات الساخنة للصراع.
فى أغسطس 2013 تم توجيه اتهام للجيش السورى باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين فى الغوطة الشرقية بريف دمشق بناء على تقارير من منظمة الخوذات البيضاء التى نشرت صورا وفيديوهات، وهدد الرئيس الأمريكى وقتها باراك أوباما بضرب سوريا، وبعد حملات دولية اتهمت دمشق توصلت سوريا إلى اتفاق مع الأمم المتحدة للسماح لخبرائها بالتحقيق فى الاتهامات الموجهة إلى النظام باستخدام أسلحة كيماوية فى ريف دمشق.
اللافت أن الاتهامات حول السلاح الكيماوى بالإثبات أو النفى تصدر منسوبة لأجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والروسية، وهو نفس السجال الدائر والذى يبدو انه يتجه لتصعيد أمريكى واجواء يشبهها البعض بأجواء ماقبل الغزو الأمريكى لبغداد والذى تم خلال شهر إبريل قبل 15 عاما بمزاعم أسلحة الدمار الشامل التى لم تظهر ابدا واعترفت الأطراف المشاركة أنها لم تعثر على أثر للأسلحة الكيماوية أو النووية فى العراق.
فى حالة سوريا فإن تقارير الكيماوى ارتبطت بمنظمة الخوذات البيضاء التى تمثل المصدر الدائم لتقارير الكيماوى، التى انتقلت إلى المنظمات الدولية، حيث تتواجه كل من واشنطن وموسكو بالفيتو ضمن صراع القرارات المتعارضة التى تعبر عن مصالح لأطراف متعددة فى الصراع على سوريا.
وتشير التحركات الأخيرة للقوات الأمريكية والتنسيق مع بريطانيا وفرنسا أن الولايات المتحدة ربما لا تنتظر قرارات دولية ولجان تحقيق وقد تستبق بتوجيه ضربات إلى سوريا، وإيران بالطبع، ويظل رد الفعل الروسى حاكما فى لعبة النفوذ.
فهل تقتصر المواجهة بين موسكو وواشنطن على مجلس الأمن، أم أنها يمكن أن تتطور إلى ما هو أكبر من حرب باردة، خاصة أن هناك أطرافا أخرى موجودة فى الصراع بشكل واضح مثل إيران وحزب الله وتركيا وإسرائيل، وكل طرف منها له مصالح تدفعه إلى الانضمام إلى جهة من جبهات الصراع.