سألت نفسى سؤالا ماذا تفعل لو كنت مواطنا سوريا، تعيش تحت نيران قصف المدافع، وقنابل وصواريخ الطائرات، والذبح والحرق والخراب والتدمير، على يد التنظيمات الإرهابية المسلحة القادمة من كل حدب وصوب، تحت مسميات عديدة من داعش لجبهة النصرة لأحرار الشام، وجيش سوريا الحر، وغيرها من المسميات، من ناحية، وعلى يد النظام السورى بقيادة الرئيس بشار الأسد، وأتباعه الإيرانيين وحزب الله، ومن قبلهم روسيا، من ناحية ثانية؟ أو كنت هاربا تتجرع مرارة الغربة والبعد عن الأهل والأصدقاء، وتشاهد عبر شاشات القنوات الفضائية الناطقة بكل اللغات مسلسل القتل والتدمير اليومى، وينزف قلبى دما من هول المشاهد؟
والإجابة، لن تكون قاطعة وواضحة ومرضية، ويكتنفها الارتباك، لأن العيش فى سوريا فى ظل المشهد الدموى من جميع الأطراف كارثة، والفرار والنجاة من الموت، واللجوء لوطن بديل، أمر كارثى أيضا، إذن الأمران أحلاهما مر وعلقم، لذلك وقفت كثيرا بالتأمل والتدبر الشديد أمام مقولة الفنان السورى الشهير «أيمن زيدان» التى دشنها منذ عام بالتمام والكمال على حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» ونصها: «كيماوى فى الوطن ولا برفان فى الغربة».
المقولة موجعة ومعبرة عن مدى المأساة التى يعيشها الشعب السورى، وتجمع كل المتناقضات، الخير والشر، الحق والباطل، المساواة والظلم، الرحمة والعذاب، فالفنان السورى يقصد المحرقة الكيماوية لأطفال «خان شيخون» الذى وجهت المعارضة السورية أصابع الاتهام للنظام السورى، بارتكابها، وسار خلفها المجتمع الدولى، رغم أن روسيا قدمت أدلة وبراهين تؤكد تورط التنظيمات الإرهابية المسلحة فى المحرقة، بهدف توريط النظام السورى، وتأليب المجتمع الدولى ضده، وهو ما حدث، عندما قرر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب توجيه ضربة عسكرية لسوريا استهدفت مطار الشعيرات العسكرى، حينها.
وما أشبه الليلة بالبارحة، فخلال الساعات القليلة الماضية، عادت المعارضة السورية الباحثة عن تفتيت بلادها، لتوجه نفس الاتهام لنظام بشار الأسد باستخدام الأسلحة الكيماوية، فى الغوطة، ولم تمر دقائق على ادعاء المعارضة السورية، حتى فوجئنا بأمريكا، وربيبتها إسرائيل تنتفضان، وتقرران توجيه ضربة عسكرية لسوريا، لتدمر ما هو مدمر، وتفتت المفتت، ومحاولة وقف نجاحات الجيش السورى، ومنح قبلة الحياة للتنظيمات الإرهابية ولملمة صفوفها لإعادة سيطرتها من جديد على المناطق المحررة.
الفنان أيمن زيدان، كتب مقولته، منذ عام، وكأنه يكتبها بالأمس، فالأحداث تتكرر بنفس السيناريو والمشاهد، إلى حد التطابق، وما بين ادعاء تورط نظام بشار فى استخدام الأسلحة الكيماوية فى «خان شيخون» فى إبريل 2017 وادعاء استخدام نفس الأسلحة فى «الغوطة»، فى نفس الشهر إبريل 2018 إنما يؤكد أن النية والعزم، تدمير سوريا، وإزالة اسمها من فوق الخريطة الجغرافية.
الوضع السورى كارثى، وأصبح قرار الحل، وإعادة الأمن والاستقرار، أمرا مستحيلا، يضاف إلى المستحيلات الأربعة الشهيرة، فالوضع بالغ التعقيد، وأن ريف دمشق وحلب وحمص ودير الزُّور وتدمر وباقى المدن والقرى السورية ملعبا ضخما يمارس عليها منتخب الإرهاب كل رياضته المفضلة من قتل وحرق وتدمير وتخريب، كما استغلتها القوى الكبرى، الولايات المتحدة الأمريكية، من ناحية، وروسيا، من ناحية ثانية، وذلك لفرض العضلات، وإظهار حقيقة من الأقوى فى العالم.
كما تحولت أيضا إلى تصفية حسابات قوى إقليمية مثل إيران وحزب الله من ناحية، وقطر وتركيا من ناحية ثانية، وإسرائيل من ناحية ثالثة، كل طرف من هذه الأطراف، يحاول فرض سيطرته وهيمنته، وإظهار قدراته، وتصدير أنه الأقوى، ويملك سلاح الردع، والحسم، فقام كل طرف باستقدام مرتزقة للحرب والقتال وتنفيذ مخططاته بالإنابة، فأصبحت سوريا تضم كل مرتزقة الأرض من المتاجرين بالدِّين، وبالسياسة، والأعراض والشرف، وكل شىء.
ووسط هذا الصراع، المرير والكارثى، تناسى الجميع الشعب السورى بكل مكوناته، وحقه فى الحياة على أرضه أمنا ومعززا مكرما، لا يهدده الموت بصاروخ قادم من الأرض أو قذيفة ساقطة من الجو، أو محترقا فى تفجير سيارة مفخخة، أو يقتل مذبوحا بسكينة داعش.
الجميع أعطوا أنفسهم الحق الكامل فى العبث بمقدرات وطن، وقتل وتشريد أهله، ثم يتحدثون باسمه، واعتبار كل طرف أنه المسخر من السماء للدفاع عن الشعب السورى، يتحدث باسمه، ويتصرف نيابة عنه.
ما يحدث فى سوريا، تحديدا ثم اليمن وليبيا والعراق والصومال، كنماذج، صرخة قوية، لكل شعوب الأرض، تستعطفهم، وتتوسل إليهم ضرورة الحفاظ على أوطانهم وأمن واستقرار شعوبهم، فلا حياة تحت القصف، ولا كرامة خارج الحدود.
ولا نملك فى النهاية سوى الدعاء لحفظ مصر من مؤامرات ودسائس الخونة فى الداخل والخارج، والدعاء بتماسك وتلاحم كل الشرفاء خلف رايته، وجيشه خير أجناد الأرض.
ونسأل محمد البرادعى وحمدين صباحى وممدوح حمزة وخالد على وعلاء الأسوانى وأدعياء الثورية وكل "أرزقية 25 يناير".. ما رأيكم فيما يحدث فى سوريا وهل تأكدتم أن سوريا قد ضاعت فعلياً؟!
ملحوظة:
كتبت هذا المقال فى إبريل 2017.. وقررت إعادة نشره، اليوم مع بعض التحديث، لأن الأحداث الجارية فى سوريا الآن تتطابق مع نفس الأحداث فى إبريل من العام الماضى.