بينما كانت صواريخ العدوان الثلاثى تنهال على دمشق كانت أصوات الهمج الشامتة فى تدمير سوريا تنعق من بعض الفضائيات، وخاصة تلك التى تؤيد همجية ترامب وتريزا وماكرون فى عدوانهم على ما تبقى من عاصمة الحضارة الأموية، واكتشفنا أن لمليشيات الخيانة كالجيش الحر والدواعش فضائيات تشيد بالعدوان ولا يصدق المرء نفسه وهو يرى الخيانة والانحطاط الوطنى على الهواء ممن يسمونهم بالمعارضة السورية وسبق هذا العدوان البربرى حملة تهريج دولية فى مجلس الأمن ثم حملة تسفيه على رسائل التواصل الاجتماعى من السوريين فى القاهرة.
وبغض النظر عن قصص هؤلاء اللاجئين فى العالم كله، إلا إنهم فى مصر أصحاب دار لهم ما للمصريين وعليهم ما على المصريين وكما يقولون إن الحياة رخيصة ويكفيهم أنهم يعيشون فى شقق سكنية بل وفِى المدن الجديدة الفخمة ولا يعيشون فى خيام، وكعادة مصر فى إكرام الضيف فتحت لهم كل الأبواب ليس تفضلا ولكنه الواجب.
أقول ذلك بعد أن خرج بعض العنصريين وبعض النساء اللائى لديهن مشاكل إما بالعنوسة أو الغيرة بحملة رخيصة لا تعبر الا عن تلك الفئة العنصرية القليلة والتى لا تمثل إلا نفسها وتردد كلام الإخوان ولجانها الإلكترونية بغباء منقطع النظير وحتى لو أخطأت امرأة سورية فى حقنا أو عشرات مثلها لا يمكن وصم السوريين بتلك الحملة الحمقاء وفِى تلك الأيام تحديدا بعد أن شارف الجيش السورى على تحرير كامل التراب السورى وقرب عودة هؤلاء الضيوف لبلادهم ثم أن هؤلاء السوريين هم الفئة الوحيدة التى لا تمثل عبئا وقد حققوا نجاحات وتحدوا الظروف وأبدعوا فى العمل فى مجال الحلويات والوجبات السريعة والملابس والمخللات ولم يتم ضبط سورى واحد يتسول فى الشوارع وحتى نسائهم راحوا يتزوجن على سنة الله ورسوله ويعمرن البيوت وأثبتن أنهن سيدات بيوت يتمتعن بالجمال والنظافة والإخلاص ولكل عائلة سورية فى مصر قصة نجاح مذهلة وضربوا المثل فى أن هذا البلد زاخر بفرص العمل الشريف ولكن شبابنا يتأففون منها.
ويبدو المشهد مثلا فى مدينة السادس من أكتوبر حيث نقل السوريون سوق الحميدية ولم ينس من لديه عمل ورزق أن يكفل بعض الأسر السورية بإنشاء جمعيات خيرية ومدارس وهيئات إغاثة تمد يد العون لذويهم، بينما تجد السوريون فى مدينة الرحاب أكثر ثراء وجرأة فى اعلان انحيازهم للدولة السورية والجيش، وللسوريين صفحات على الفيس بوك يسجلون عليها بدون تعليق الاحسان والإساءة وهناك فيديوهات منتشرة لتوفيق عكاشة وهو يهددهم وتسجيل أخر لمذيع يُتهم السوريات فى شرفهن ظلم، ويضعون على تلك الصفحات فرص العمل المتوفرة وستجدهم مستقرين فى دمياط فى صناعة الاثاث وفِى أسيوط وفِى كل قرية ومدينة والغريب فى تنوع فرص العمل التى يخلصوها لأنفسهم مثل معلمين الشاورما واللحوم الجملى وتصوير الحفلات والتغليف والتعبئة وتوصيل الأكل والحلويات للمنازل والزراعة وصناعة الملابس وسائقين لدى الأسر، ومن النادر أن تكون هناك مهنة لا يعملون فيها وربما وصلوا فى الوقت المناسب لسد فراغ الصنايعية فى مصر.
واذا كان الغالبية منهم يعملون بلا تصاريح الا أن الدولة المصرية تغض الطرف متعمدة وفِى نفس الوقت فإن تلك النقطة لا تعرضهم للمائلة والترحيل كما فى الاْردن ولبنان وهناك آلاف القصص التى ترويها العائلات السورية عما قدمه لهم المصريون عند قدومهم لمصر وكيف وقفت معهم المساجد والكنائس والجمعيات الأهلية والأسر الميسورة لاستضافتهم ويحدث كل ذلك فى مصر الجريحة بعد فوضى يناير والإخوان وتدهور الاقتصاد، وربما لا يدرى البعض أن الاسرة السورية يكفيها مثلا 500 دولار للعيش بصورة كريمة عكس تركيا ولبنان التى تحتاج لأضعاف هذا المبلغ لدرجة وجود شوارع وأحياء فى مصر باسم السوريين وهذا ليس غريبا ذلك أن الشوام عرفوا الهجرة منذ أوائل القرن الماضى وأصبح لديهم خبرة فيها عكس المصريين الذين يتصفون بأنهم قرارى اى ساكن ومستقر على ضفاف النيل ولذا ستجد مشاكل المصريين فى الخارج عديدة ومتكررة لأنهم لم يخبروا بعد قوانين وآليات الهجرة عكس الشوام وستجد فى امريكا وكندا ودوّل امريكا اللاتينية واستراليا ودول أفريقيا جاليات لبنانية عديدة لها ثقافتها ومطاعمها وأغانيها وستجد فى كل دول العالم دمشق وحلب واللاذقية الصغيرة من صناعة السوريين.
وما يعنينى هنا أن أشير إلى أن الله سبحانه وتعالى أشار لكرم المصريين فى الاحتفاء بالمهاجرين كما فى قصة سيدنا يوسف ( وقال الذى اشتراه من مصر لامرأته أكرامى مثواه) بمعنى أن المصرى دوما كان يحتفى بضيوفه ويكرمون نزلهم بل أخبرنا القرآن بالأمان فى مصر بقوله لأخوة يوسف (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) ولهذا فإن الهرطقات التى صدرت من البعض من اتهامات وصمهم بالخيانة لأنهم تَرَكُوا بلادهم وتلك أقوال قاسية لا تعبر أبدا عن غالبية المصريين ولاعن الدولة الرسمية التى تحتفى بجميع المهاجرين ولدينا عدة ملايين من السوريين والسودانيين والعراقيين ولا يتم التعامل معهم على إنهم مهاجرين لأنهم يذوبون مع الشارع المصرى الذى يستوعب ويحتوى أى غريب ًببساطة ومحبة ولديهم القدرة على اقتسام كسرة الخبز وربما لحب المصريين للسوريين أن ذهبت القاهرة للوحدة مع دمشق وهى البعيدة جغرافيا ولكن لإحساسنا إننا الأقرب لبعض فى كل شىء ولو كره الكارهون.