عزيزى القارئ، قبل أن تتهمنى بأننى من المتحمسين لنظرية المؤامرة أو الكارهين لثورة يناير، فأنا أريد أن أعلن لك بوضوح ولك مطلق الحرية فى التصديق من عدمه أننى كنت من أشد المناهضين لنظرية المؤامرة، وكنت ولازلت من أكثر المؤيدين لثورة يناير فى شقها النقى، وشعارها النبيل "عيش حرية عدالة اجتماعية"، ومؤمن بملايين المصريين الذين انضموا لها لمناهضة الديكتاتورية والكبت مدعومين بالغرب فى حياة أفضل، وفى مصر أفضل.
أنا هنا لا أطالب بالطبع بإغلاق فيس بوك، فأنا فى النهاية واحد من جيل الشباب الذى يقضى معظم ساعات حياته -مع الأسف- أمام هذا الموقع، ولكننى أطلب من حضرتك المزيد من الوعى فى التعامل مع تلك "البوستات" البريئة التى تصلك يوميا ومجانا على شاشة هاتفك الذكى فى زمن لم يعد فيه شىء مجانى، أطلب من البرلمان المصرى أن يناقش بجدية كيف يعمل فيس بوك فى مصر ولصالح وضد من، وأن يضغط مثلما ضغط الكونجرس الأمريكى لكى يتوقف الموقع ولو بعض الشىء عن بث السموم والشائعات فى الجسد المصرى، أن تعمل مراكز الأبحاث ووزارة الاتصالات والمتخصصين والحكومة نفسها، على رصد وتحليل هذا الوحش الذى باتت أجندته السياسية مكشوفة ومفضوحة للعالم أجمع.
عزيزى القارئ تلك المقدمة لأقول لك أن هذا المقال ليس الهدف منه الضرب فى ثورة يناير أو محاولة جرك لنظرية مؤامرة كونية وهمية على مصر، ولكن الهدف الرئيسى من هذا المقال هو أن ننظر لما يحدث حولنا ونتعلم منه، فنظرية المؤامرة التى سخر منها الملايين حينما قيل أن فيس بوك يستغل لتوجيه الرأى العام ليس نحو ثورة يناير، ولكن لاستغلال تلك الثورة النبيلة لدفع مصر نحو مزيد من الفوضى، وتحويلها من ثورة شعب يحلم بالحرية والعدالة والرخاء، لثورة هدم ودعم تواجد جماعات تؤجج للعنف وتدعم الإرهاب، وتفرق البلاد بدلا من تجميعها، لم تكن تلك الأقاويل محض افتراء على ذلك الموقع الذى يقوده ملياردير ثلاثينى لا يكتفى من النجاح وجمع المال.
نظرية مؤامرة فيس بوك التى كانت مسار لجلسات النميمة والقلش والاستهزاء، أصبحت فجأة نظرية غاية فى الاحترام والتقدير حينما اكتشف الأمريكان أن فيس بوك استغل معلوماتهم وتدخل فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وباع معلومات الأمريكان لشركة «كامبريدج أناليتيكا» البريطانية للتحليلات السياسية، التى عملت لصالح حملة دونالد ترامب الانتخابية، ووجهت من خلالها الناخبين الأمريكيين لصناديق الاقتراع وأثرت فى اختيارتهم.
على الجانب الآخر.. أدرك الروس مبكرا أن الموقع الذى ينفق المليارات لا يمكن أن يكتفى بمقابل الإعلانات فقط، ولم تقف عند منعه من ضرب روسيا فقط، بل قررت توجيه ضربة عنيفة للأمريكان من خلاله واستغلت وكالة أبحاث الإنترنت الروسية فيس بوك للتأثير فى الانتخابات الأمريكية وعدد من الانتخابات فى مختلف دول العالم، وهو ما اعترف به مؤسس فيس بوك عبر صفحته وأمام الكونجرس الأمريكى وأعلن إغلاق صفحات وكالة الأبحاث الروسية على فيس بوك، ولم يخش من أن يهاجمه أحد ويعلن أنه لا يحترم حرية الرأى والتعبير، ولا يدعم حرية تواجد مثل تلك الصفحات للوكالة على موقعه.
عزيزى القارئ أنت الآن بت تعرف باعترافات مارك نفسه أن فيس بوك يمكن استغلاله للتأثير فى الانتخابات ويمكن أن يعمل على توجيه الشارع فى بلدان بأكملها، بت تعرف أن حرية الرأى على فيس بوك تتوقف حينما يقرر الروس العمل ضد مصالح الأمريكان، وأن مارك زوكربيرج حينما قرر العمل ضد مصالح لوبى معين فى أمريكا لصالح لوبى آخر وهو فى حالتنا الآن دونالد ترامب ضد مناهضيه، كانت نهايته فضيحة بجلاجل دفع مقابلها المليارات وخضع بسببها لاستجواب يجب أن ترى وجهه خلاله وهو متوفر على الإنترنت أن لم تكن قد شاهدته حتى الآن.
عزيزى القارئ أن كنت تصدق أن فيس بوك تم استغلاله للتأثير فى الانتخابات الأمريكية، فالأبسط أن تصدق أنه عمل خلال السنوات الماضية لتدمير تلك المنطقة المنكوبة التى نعيش فيها والمسماة بـ"الشرق الأوسط"، أن تصدق أنه عمل لصالح الجماعات الداعية للعنف والإرهاب والكراهية، لتسقط ليبيا وسوريا واليمن وكانت مصر فى طريقها لنفس المصير.