خطاب الرئيس الأخير رصد ردود أفعال متباينة بشدة بين مؤيد لصراحة الرئيس المفرطة، وتعليقه بأن هذا ما كنا نبحث عنه دومًا، وبين معارض لتلقائية الرئيس، واستخدام مصطلحات وعبارات غير سياسية.
وبين رفض الارتجال وتأييده، وبين مؤيد لحملة «صبح على مصر بجنيه» وساخر منها، وبين انتقاد لعبارات «أبيع نفسى» و«اسمعوا كلامى أنا بس» وبين احتفاء جارف بهذه العبارات النابعة من القلب كما يصنفها البعض، قرأنا وسمعنا الطرفين المتطرفين من كل جانب، وهرمنا من الدعم الدائم أو السخرية المفرطة، فالغالبية العظمى كانت مع أحد الاتجاهين وبقوة، والقليل الذى وقف فى مرحلة الوسط، مرحلة التعقل والتحليل والنقد البناء، والبحث عن ماهية الرسائل التى بين السطور، فحاولت بين أطراف المتطرفين أن أبحث عن أطراف أخرى وسطية موضوعية لعل وعسى أنتبه إلى ما هو جديد، سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا، وأن أستمع إلى نقد أو تأييد ينطلق من رؤية موضوعية وليس رؤية الأعمى أو الساخر.
وفى أثناء البحث والاستماع، توقفت عند رؤية لصديقى المحلل السياسى الشاب أحمد كامل البحيرى، واقتنعت بوجهة نظره وتحليله لأنه يتطابق مع مشاهد وقرارات تحدث على أرض الواقع، ثم رأيت أن هناك القليل من العقلاء يسردون نفس التحليل بصيغ مختلفة، وإليكم جزء من كلامه وتحليله الذى توقفت عنده ووجدته يحمل منطقًا ورؤية متزنة:
بعيدًا عن طول خطاب الرئيس السيسى الذى استمر أكثر من 90 دقيقة، جاء الخطاب متضمنًا العديد من الرسائل المباشرة، ليست موجهة للرأى العام المصرى فقط، بل هناك رسائل موجهة لأطراف عدة داخليًا وخارجيًا، حيث حمل خطاب الرئيس العديد من الإيجابيات والسلبيات فى آن واحد، فعلى الجانب الإيجابى الذى جاء تعبيرًا واضحًا عن مفهوم الاستقلال الوطنى، ومواجهة محاولات البعض فرض هيمنة على السياسة الخارجية المصرية، بل تصل لمرحلة التهديد المباشر للأمن القومى المصرى، حيث تحدث الرئيس عن بعض الأطراف الخارجية التى تتهكم على ارتفاع مستوى الفقر، وضعف البنية الاقتصادية المصرية، وهو ما يأتى فى إطار ابتزاز- إن صح التعبير- من قبل قوى إقليمية لمصر، لوضع مصر فى موقف المقايضة بين الدعم المباشر للاقتصاد المصرى، والمشاركة الفعلية فى الحرب المحتملة على سوريا.
بمعنى أدق، تسعى المملكة العربية السعودية باستخدام سياسة التحفيز والمقايضة، بإعلانها عن حزمة مساعدات لمصر تصل إلى أكثر من 30 مليار ريال سعودى، ما يعادل قيمة 8 مليارات دولار، عبارة عن استثمارات مباشرة بجانب تلبية احتجاجات مصر من البترول لمدة خمس سنوات، وذلك طبعًا قى حالة ضمان موافقة مصر على المشاركة فى التحالف الإسلامى، والتدخل فى سوريا، وهو ما رفضته مصر على لسان وزير الخارجية المصرى سامح شكرى، وأضاف وزير الخارجية المصرى حتمية وجود حل سياسى للأزمة السورية، وعدم التدخل العسكرى من قبل مصر فى سوريا، وأكد وزير الخارجية أن الموقف السعودى بالتدخل العسكرى بجانب تركيا هو خاص بالمملكة العربية السعودية فقط، وهذا الموقف هو ما جعل المملكة بجانب بعض الأطراف الخليجية تلوّح بوقف المساعدات لمصر.
وهنا يتضح أن الكلام بـ«صبح على مصر بجنيه» أو «أبيع نفسى» بشكل أكبر غير موجه للشعب المصرى داخليًا، لكنها رسالة خارجية برفض المقايضة، والاعتماد على مواردنا الداخلية التى أشار لها هنا الرئيس بالتبرع أو ببيع نفسه.. بالتأكيد، أنا لا أرى أن التبرع أو البيع هما وسيلتان لبناء الاقتصاد المصرى، وتحقيق الاستقلالية الاقتصادية المنشودة، لكن تمت الإشارة لهما فقط لإرسال رسالة رفض المقايضة، فالرسالة نبيلة، ولكن آليات تحقيق هذه الرسالة التى تحمل عنوان «دعم الاستقلال الوطنى» لابد أن تكون بعيدة كل البعد عن التبرع أو البيع، وقريبة كل القرب من بناء اقتصاد مصرى قوى باستثمارات حقيقية، وعودة السياحة المصرية.