كنت الوحيد الذى كتب أن المنيا بلد المتناقضات، وكان كثيرون ينظرون على أنها «إمارة الإرهاب»، نتائج الانتخابات الرئاسية قدمت حقائق جديدة جعلت الزميل محمود سعد الدين يكتب بـ«انفراد»: «ليس لدى فى سلسلة مقالات تحليل الانتخابات الرئاسية غير الأرقام لمحاولة فك لغز المعادلات الغامضة، كالتصويت فى المنيا مثلًا، فالمحافظة شهدت تقدمًا فى عدد الأصوات الصحيحة بواقع ربع مليون صوت، وهو رقم أكبر من حجم التوقعات بكثير لمحافظة صعيدية، لأنه فى 2014 حققت المحافظة عدد أصوات صحيحة برقم 948 ألف صوت، بينما فى 2018، تخطت حاجز المليون بزيادة 237 ألفًا، مما دفعها لمرتبة أعلى فى ترتيب محافظات مصر لتحجز المرتبة».
ويضيف: وفى البحث وجدت أن أعلى مركز تصويتى كان ملوى بواقع 163 ألف صوت وتلاه مركزا المنيا الجديدة وبنى مزار بواقع 152 ألف صوت لكل منهما، والأرقام الثلاثة تشير إلى أن الكتلة التصويتية الراجحة تتركز فى المدن الثلاث.
وبالطبع ونظرا لأن كثيرين لم يعرفوا أن أعلى نسب تصويتية فى انتخابات مجلس النواب الماضية كانت فى تلك المدن الثلاث، بل إن ملوى التى كانت مستقرا للإرهاب الأول فى ثمانينيات القرن الماضى، وموطن قاتل السادات خالد الإسلامبولى، كانت الإعادة فيها فى مجلس النواب بين مرشحين مسيحيين «لأول مرة فى التاريخ»، وهما رامى رفيق وشريف نادى، وفاز شريف نادى، الأمر الذى يعكس نقطتين أساسيتين وهما: تغير تصويتى من جهة، وارتفاع مؤشر مشاركة المواطنين المسيحيين من جهة أخرى.
أما بنى مزار فقد شهدت تحولات مهمة فى الرؤية التصويتية عبر تزايد معدلات عمل الشباب فى السياسة، تبقى المنيا الجديدة، وهى أيضا يشكل الشباب وحديث الزواج والمتعلمون والمثقفون نسبة لا تقل عن %80 من السكان ويعيش بها محافظ المنيا اللواء عصام البديوى.
نعود لمقال الزميل والباحث محمود سعد الدين: «إذا ما وضعنا محافظة المنيا فى منطقة المقارنة مع محافظة صعيدية أخرى تتشابه فى نفس الخصائص السكانية والجغرافية كـ«سوهاج» مثلًا، التى انخفضت نسبة مشاركتها من %34 فى 2014 إلى %32.8 فى 2018، نجد أن مركزا مثل ملوى حقق ارتفاعا فى الأصوات الصحيحة فى 2018 بواقع 59 ألفا عن 2014، وسار بالتوازى معه مركز مغاغة الذى حقق ارتفاعا 48 ألف صوت وتلاه مركز ديرمواس بارتفاع تصويتى يعادل 31 ألف صوت.
اللافت أيضًا فى المنيا كان مركز العدوة، وهو مركز مشهور إعلاميًا بأحداث عنف الإخوان وجرى فيه عمليات تخريب فى 14 أغسطس 2013، جرى خلالها اقتحام وحرق وسرقة ونهب مركز الشرطة، وقتل رقيب شرطة، واقتحام الإدارة الزراعية، والوحدة البيطرية، والسجل المدنى، عقب فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة، وبالتالى دلالات أرقام التصويت فى العدوة مؤشر يمكن الاستدلال به فى نتائج مهمة، ففى 2014 كان عدد الأصوات الصحيحة 39 ألفا، بينما فى 2018 بلغ 72 ألفا، بفارق 33 ألف صوت، وبزيادة فى نسب الأصوات تعادل %54، وهو رقم مهم جدا».
إن التقدم الذى حدث مثلا فى مغاغة وسمالوط يعود لأن النشاط الحزبى قوى جدا، وهناك معارك سياسية واجتماعية حقيقية يقوم بها النواب، وعلى سبيل المثال قام نواب مغاغة وسمالوط بعمل لجان حزبية تنافست بقوة من حى لحى، ومن قرية لقرية، حتى إننى وأنا أتابع كنت ألاحظ أن التنافس يتم بالتصوير والإعلان فى تنافس كاد يصل أحيانا إلى حد الصدام.
أما العدوة وديرمواس فقد شهدا تحولا فى القوة التصويتية بسبب اعتبار أن الانتخابات تجرى للتنافس مع القوة المعادية من الإخوان والسلفيين.
ربما لو عدنا إلى خسائر المنيا فى أغسطس 2013 فسنجد أنها تشكل حوالى %70 من خسائر مصر، تكبدت فيها محافظة المنيا وحدها أكثر من %60 من خسائر وزارة الداخلية فى الأرواح والمنشآت، حيث قامت عناصر الجماعة بمهاجمة كل مراكز الشرطة بالمحافظة، وتمكنت من اقتحام وتدمير مراكز مطاى والعدوة وسمالوط ومغاغة وديرمواس وملوى وأبوقرقاص، وقتل العديد من الضباط والأفراد والتمثيل بجثثهم والتنكيل بالأحياء منهم، كما قامت عناصر الإرهابية بمهاجمة جميع الكنائس بالمحافظة، وقامت بحرق وتدمير 34 كنيسة بالمحافظة، ويعد اقتحام مركز شرطة مطاى وقتل نائب المأمور العقيد مصطفى العطار وهو صائم والتمثيل بجثته أكثر الوقائع بشاعة ووحشية من جماعة الإخوان الإرهابية والتى قامت بحرق المركز وسرقة الأسلحة وحرق السجل المدنى والمحكمة.
وتعد قرية دلجا هى أكبر القرى التى شهدت خسائر بالمحافظة، حيث احتلتها جماعة الإخوان الإرهابية ولم تتمكن قوات الشرطة من السيطرة عليها لعدة شهور، وقام الإخوان بحرق وتدمير جميع الكنائس الموجودة بالقرية وأبرزها كنيسة السيدة العذراء الأثرية والتى يبلغ عمرها أكثر من ألف عام، وقاموا بتهجير بعض الأقباط قسريا من القرية وطرد كل ما هو حكومى وحرق نقطة الشرطة، ومن ينظر إلى تلك الأماكن والمدن فسيجدها سجلت أعلى الأصوات، وذلك بسبب: أولا: الدور المهم الذى بذله محافظ المنيا اللواء عصام البديوى بالاشتراك مع شخصيات دينية وسياسية وأمنية، واستطاع أن يخفض معدلات التطرف والإرهاب إلى أكثر من %60 فى أقل من عام من وصوله، وجعل مكتبه مفتوحا للجميع.
ثانيا: قيام أحزاب سياسية بلعب أدوار مهمة عبر نوابها فى مدينة المنيا وملوى وديرمواس وسمالوط وبنى مزار ومغاغة، مما أدى إلى ارتفاع نسب التصويت.
ثالثا: لعب المجتمع المدنى دورا كبيرا فى أوساط الشباب والذين كان لهم أبلغ الأثر فى التصويت فى المدن.
رابعا: اعتبار المواطنين المصريين الأقباط والنساء، أن ما يجرى ليس معركة رئاسة فحسب، بل الطريق للحفاظ على الدولة المدنية فى شخص الرئيس.
خامسا: الطرق الجديدة التى قامت القوات المسلحة بشقها جعلت التقارب بين الريف والحضر يتقدم، إضافة إلى عوامل أخرى كثيرة تحتاج إلى ندوة ينظمها «انفراد»، مع تحياتى للزميل محمود سعد.