الرئيس وعد فى لقائه مع رؤساء كبرى الشركات الكورية الجنوبية فى ختام جولته الآسيوية وعودته للقاهرة، بحل مشكلاتها فى مصر، وحسب ما صرح به المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، السفير علاء يوسف، فالرئيس السيسى قال لرؤساء الشركات: «الحكومة لا تدخر جهدا لتحسين مناخ الاستثمار وتهيئة بيئة الأعمال بعيدا عن البيروقراطية، سواء من خلال تشريعات الاستثمار الجديدة أو إنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة، وتسوية أى مشكلات قد تواجه الشركات الكورية فى مصر».
كلام الرئيس يعنى أن البيروقراطية ما زالت هى الشبح المخيف فى مواجهة جذب الاستثمارات الجديدة، وهى أداة الفساد القوية ضد عمليات التنمية، فالرئيس فى كوريا واليابان وكازاخستان تحدث مع رؤساء الشركات عن مزايا الاستثمار والسوق الواعد فى مصر، لتشجيع المستثمرين لضخ استثمارات جديدة فى السوق المصرى، لكن المشكلة الحقيقية هى فى البيروقراطية الصغيرة، التى تعرقل أية استثمارات بالتعقيدات الروتينية المعتادة، وتصدر المشكلات فى وجه المستثمر، وتدفعه إلى طرق الأبواب الخلفية، إذا كان مصرا على الوجود فى السوق المصرى «لتصريف أعماله» و«تفتيح مخه» أو تدفعه إلى الهروب من مصر إلى أسواق أخرى أقل بيروقراطية وأكثر جاذبية.
إذن هناك إقرار واعتراف من القيادة بتغلغل البيروقراطية، وتجذرها فى شرايين العمل الحكومى، وكأن سببا رئيسيا فى «تطفيش» المستثمرين من مصر، وهذه البيروقراطية تمكنت من هزيمة الحكومة فى معركة قانون «الخدمة المدنية»، ومعركة «الشباك الواحد»، وما زالت لها اليد العليا فى عرقلة وجذب أى استثمارات فى مصر منذ مؤتمر شرم الشيخ.
وكما قلت بالأمس، إن هناك مجهودا كبيرا يبذله الرئيس فى جولاته الخارجية، منذ توليه مقاليد الحكم لجذب الاستثمارات الأجنبية والاستعانة بالخبرات فى دعم الاقتصاد المصرى والنهوض به، لكن قد تقف البيروقراطية العتيقة حائط صد أمام هذه الجهود.
والسؤال المحير، كيف تعجز الدولة بكل هيئاتها ومؤسساتها فى القضاء على البيروقراطية، رغم الوعود والتصريحات المتفاءلة؟ ومن له مصلحة حقيقية فى استمرار الوضع على ما هو عليه؟
ما يؤكد قوة البيروقراطية فى مصر هو عجز الحكومة حتى الآن عن إصدار اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار، لتطبيق فكرة الشباك الواحد للمستثمرين، بدلا من دوخة السبع دوخات بل الـ48 دوخة لإنهاء تراخيص وأوراق المشروع الاستثمارى، رغم أن القانون صدر فى 13 مارس 2015 أى منذ عام كامل، وما زال الوضع أمام المستثمرين، سواء كانوا عربا أو أجانب كما هو، إلا بضمانة رئاسية كما وعد الرئيس الشركات الكورية وغيرها.
للأسف البيروقراطية المصرية ستبقى عائقا أمام الدبلوماسية الاقتصادية للرئيس، فرغم العلاقات التاريخية والسياسية والدبلوماسية بين مصر واليابان، فالاستثمارات اليابانية فى مصر محدودة للغاية، ولا تتجاوز %1 من مجمل الاستثمار الأجنبى، وتقدر بحوالى 278 مليون دولار، فهل هذا معقول أو مقبول، وما الموانع التى تقف فى طريق نمو هذه الاستثمارات؟
هنا نقول إن بقاء التشريعات والقوانين البيروقراطية دون تغيير سوف يحبط أى محاولات ومجهودات لجذب الاستثمارات الأجنبية.
المطلوب هو استحداث قوانين مرنة جديدة، تتعامل مع الواقع الجديد والرؤية الجديدة للدولة المصرية فى فتح شرايين الاقتصاد المصرى، أمام الاستثمارات الأجنبية، أحد أهم موارد النقد الأجنبى، التى تقدر حاليا بحوالى 6.4 مليارات دولار، واستحداث قاعدة بيانات موحدة وخارطة استثمارات واضحة ومتكاملة... وفك لغز عدم صدور لائحة قانون الاستثمارات والتباطؤ فى مواجهة البيروقراطية الصغيرة!