فى زمن مضى، كانت الإذاعة هى سيدة الخبر والحكاية وتشكيل الوعى السياسى والفنى والاجتماعى، ثم ظهر التليفزيون فتنحت الإذاعة عن مكانتها، وقالوا إنها صارت فى الخلفية ولم يعد لها ذات التأثير ولا القيمة فتوارت خلف الشاشات البراقة حينئذ، وأخذ التليفزيون الصدارة فى التأثير والنجومية لأهله، وتصور البعض أن الإذاعة صارت موضة قديمة مهيضة الجناح، ولكن الواقع الآن يقول إن الإذاعة صارت صاحبة تأثير وربما مستمعيها أضعاف مشاهدى التليفزيون وأكثر، فنحن بلد يقضى أهله فى الطرقات ساعات وساعات، وبالتالى لا وسيلة لهم وهم محبوسون فى سيارات إلا الاستماع للإذاعة وبالتالى التأثر بها.
وفى الأسابيع الماضية قررت بإرادة منى وبفرض من الواقع أن أتجول بتركيز على مختلف الإذاعات التى لم تعد فقط الدولة صاحبة اليد الطولى عليها فقد دخلت الأموال الخاصة إلى ذلك العالم بعدة محطات فإليكم أغلب ما وجدته:
برغم اختلاف الأسماء للبرامج والمحطات والمذيعين فإن الأغنية هى سيد الموقف وهو أمر طبعًا مقبول أو طبيعى، ولكن ما بين الأغنية والأخرى يأتى المذيع على اختلاف اسمه واسم إذاعته ليطرح موضوعات للنقاش مع المستمعين من نوعية هى كلمة لا بتريح ولا بتخليك عايز تقتل اللى قصادك، أو لو صاحبك ندل تعمل إيه وأو لو مراتك قفشت موبايلك هتتصرف إزاى، أو لو صاحبتك شعرها أصفر هتعملى إيه.. وهكذا من محطة لأخرى ومن برنامج لآخر، ومن مذيعة لمذيع، أنت محاط بأسئلة عبيطة وبنقاشات هايفة لاتغنى من جوع للمعرفة أو التأثير.
من المؤكد أننى لست من هؤلاء الذين يطالبون كل الإذاعات والمحطات بأن يكونوا البرنامج الثقافى ولكن أيضًا لست براضية أن تكون كل المحطات والبرامج والمذيعين على اختلاف أسمائهم نسخة من محمد سعد فى فيلم اللمبى.
هناك تصور خاطئ لدى أغلب مذيعى الإذاعة أن الضحك من غير سبب يعرفه المستمع حاجة لطيفة ودمها خفيف وروش، وأن إشاعة الهيافة بين الناس مطلوب طوال الوقت.
بالتأكيد أن هناك بعض البرامج على استحياء تقدم معلومة هنا أو هناك، وإضافة للمستمع، ولكن صوتها منخفض أمام طوفان هيافة تخرج علينا من سماعات السيارات.
نعم نحن شعب أرهقته الأيام ومازال يكابد صعوبة العيش، ويحتاج للترفيه ولكن ليس هكذا يُساق الأبل يا أهل الإذاعة على اختلاف أسمائكم واتجاهاتكم، واللى سبقونا قالوا الكلمة نور وبعض الكلمات قبور، ولكنهم ربما لم يتصورا يومًا أو قليل من الكلمات نور بينما أغلبها هيافة حتى القبور.