"لوتس عبد الكريم" تكشف أسرار 26 أديبا ومفكرا وفنانا!

"لست غزيرة الإنتاج فى الكتابة والنشر، على الرغم من غزارتى فى كتب الحياة، عبر الأسفار والمشاهدات والترحال والتجوال والبحث والتعلم والسؤال للوصول إلى اليقين المستحيل، حتى صرت أنتمى إلى من يجوبون الآفاق ويكشفون العوالم ويرتادون الطرق الصعبة، حيث عشت سنوات طويلة فى دول أوروبا وآسيا، وبشكل أساسى فى بريطانيا وفرنسا واليابان وإيطاليا، كأننى كنت وقتذاك أستعير حيوات أقطاب التصوف والفلسفة، الذين درستهم فى قسم الفلسفة بكلية الآداب، جامعة الإسكندرية". هكذا تقول الدكتورة "لوتس عبد الكريم" صاحبة صالون ومجلة "الشموع"، واصفة نفسها فى مقدمة كتابها الجديد" سيرتى وأسرارهم"، والذى يتناول أسرار 26 شخصية من كبار الأدباء والمفكرين والفنانين الذين عرفتهم عن قرب، لذا فقد غاصت فى حيواتهم تماما كما غاصت من قبل فى حيوات أقطاب الصوفية فى أوروبا، وإنطلاقا إيمانها الشديد بأن الكتابة لاتقاس بنوعيتها وكيفها، ولا تقاس بكمها، لكنها تقاس بذلك الأثر الذى يبقى بما تحويه فى نسغ السنين، فقد جاءت سطور الكتاب على هذا النحو الذى يبقى فى معالجة واعية لجوانب من حياة تلك الشخصيات التى تناولتها بين دفتى كتابها " سيرتى وأسرارهم "بأسلوب التحليل النفسى كى تشرك القارئ فى معرفة هؤلاء عن قرب، واستطاعت أن تغوص فى المناطق المخفية من ذواتهم، هادفة إلى المكاشفة ومسألة النفس ومحاسبتها وصولا إلى معرفة نفسها هى أولا وقبل كل شىء. وانطلاقا من تطهير وتنقية نفسها مما علق بها من غبار الحياة كى تنعتق من أى أسر يمكن أن يقيدها، فقد تحررت من المشاعر الضارة، وهو ما حقق لها المتعة الجمالية فى الكتابة عن الـ 26 شخصية موضوع الكتاب، بحيث حقق القارئ أيضا ذات المتعة وجعلته مشدودا، وهو يقلب الصفحات تلو الصفحات بنهم شديد وشغف بأسلوب الكتابة عبر سير لها ولغيرها تعد بالأساس مسار حياة، ربما جاءت بطريقة موجزة، لكنها ليست بوثيقة ناقصة، وديدنها فى ذلك أنها لا تكتب كل شىء، فمن المؤكد على حد قولها: "إننا نصمت ونضمر ونستر ونحذر وننكر ونزور، ونخفى ما لا نريد لأحد أن يعرفه عنا، أو نزيف ونزخرف ونجمل"، وذلك على الرغم من شغفها بأدب الاعترافات والسير التى تحفل بالأسرار، وهو أدب نادر فى ثقافتنا العربية سواء بين النساء أو الرجال، على الرغم من أن كتب السير الذاتية للمشاهير هى الأكثر انتشارا ومبيعا فى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأوروبا. عاشت الدكتورة "لوتس عبد الكريم" تعرف محمد عبد الوهاب، مرآة مصر والعرب، ويوسف السباعى شهيد السلام، ويوسف إدريس، ذلك اللون الذى لا يتكرر، ومصطفى محمود، كاسم غير قابل للتمذهب، وإحسان عبد القدوس، الذى عرفته عن قرب، ويوسف وهبى ابن الباشا الذى صار فنانا للشعب، وأحمد بهاء الدين، كواحد من أعلام القرن العشرين، وعبد الحليم محمود، كبير المتصوفة فى مصر، وفؤاد زكريا، الفيلسوف حين يذهب للموسيقى، وسناء جميل، زهرة الصبار التى لم ينصفها أحد، وحسين بيكار، الذى واجه السجن بسبب البهائية، وفاروق حسنى، صاحب نظرية الوزارة فن والفن دولة، ومؤنس طه حسين، الذى مات منسيا، ومفيد شهاب، عبقرى من مصر المعاصرة، وبطرس غالى، الأديب الذى لا يعرفه أحد، ومحمد حسن الزيات، فارس الدبلوماسية، وبليغ حمدى، عبقرى الموسيقى الذى ظلمناه، وميخائيل نعيمة، فى حضرة المسيح، وغيرهم ممن لم تعرفهم معرفة عابرة، ولا هى قد مرت فى حياة كل كيان منهم بالصدفة، ولكنها جلست إلى كل اسم، وحاورت صاحبه، ودخلت بيته، وأطلعها على أسراره، وأضحكته، وأضحكها، وتبادلا الحديث الطويل فى شتى الشؤون والشجون!.، ثم إنها لم تشأ أن تستحوذ على هذا الكنز الغالى لنفسها، فأتاحته أمام كل قارئ، فى "سيرتى.. وأسرارهم"، حيث راحت تطارد القيمة الباقية فى كل قامة من هذه القامات، التى نعرف مصر بهم، ونعرفهم بمصر، وتبدو القائمة كلها وكأنها عنوان لهذا البلد وطريق إليه. كتاب "لوتس عبد الكريم" الجديد ليس مقاومة للوحدة على حد تعبيرها، بل هو انتصار شخصى لها على النسيان، ومنح ذاكرتها درجات نهائية فى التحدى والتفكير، حيث تروى سيرة أو جزا من سيرة حياة فردية، وتاريخا أو جزءا من تاريخ شخصيات معينة كانت قريبة منهم إلى حد بعيد، وذلك بأسلوب كتابة رشيقة تستعرض من خلالها تجارب ونماذج بشرية لم تنشغل بماضيهم فحسب، بل إنها قدمت وثائق لاستشراف الآتى، عبر سعيها إلى الغرف مما هو تاريخى، والكشف عن الجوهرى فى جواهر هؤلاء، الذين توزعوا مابين الأدب والفكر والصحافة والفلسفة والسياسة والتاريخ والمسرح والدين والموسيقى والغناء والشعر والنقد. فهاهى تحكى لنا كواحدة من زائرات بيت إحسان عبد القدوس فى مصيف "بيانكي" فى العجمى شرق الإسكندرية، الذى كان فى الستينات من القرن الماضى مصيف الأرستقراطية المصرية الجديدة، غالباً لا يشاهدن أكثر من بورتريه للرجل، ودخان سيجاره الشهير قادماً من الشرفة، وإذ يسأل عن انصرافه وشروده يرد: "دول جايين يتفرجوا على أبو الهول، بيحبوا شهرتى واسمى مش بيحبونى، ولا أجد فيهن تسلية"، فقد كان إحسان يقول ذلك لصديقة الأسرة الكاتبة "لوتس عبد الكريم" أمام زوجته "لولا": "أريد تجربة مثيرة، حدثاً سياسياً ضخماً يزلزل كيانى، أو تجربة مجنونة أعيش أحداثها وأسجلها بقلمي"، ينظر إحسان إلى الشاطئ المزدحم: "دى كلها قصص لازم أكتبها، فأنا أستمد قصصى من هؤلاء"، وكثيراً ما ترى لوتس مؤلف "البنات والصيف"، وهو يقفز من على مقعده على الشاطئ، ويختفى بين زحام الأجساد. وتحكى الكثير والكثير من الأسرار الأخرى عن شهيد السلام يوسف السباعى، وثروت عكاشة أهم وزراء ثقافة مصر، وترصد غضب يوسف إدريس عندما أخطأته جائزة نوبل التى فاز بها نجيب محفوظ، وتذهب مع ذكريات مفيد شهاب، وميخائيل نعيمة، ولويس عوض، وفؤاد زكريا، وسناء جميل أو "زهرة الصبار التى لم ينصفها الزمن"، وتثير فيك رغبة عارمة فى معرفة المزيد عن شيخ الأزهر عبد الحليم محمود، كما تحكى قصة حب عبد الحليم حافظ المستحيلة التى لا نعرف عنها الكثير، وكذلك مأساة بليغ حمدى الذى رحل عن عالمنا بعد ان ظلمناه كثيرا، وتروى عن لقائها فى "رامتان" بـ"سوزان" زوجة عميد الأدب العربى طه حسين، و بطرس غالى الأمين العام السابق للأمم المتحدة الذى قال لها أمام زوجته ليا نادلر: "وأنا شاب كانت لى أطماع أن أكون أديباً، وكنت أكتب القصص والشعر باللغة الفرنسية، وكنت أقلد أسلوب الكاتب الفرنسى أندريه جيد، وفى الكتابة العربية حاولت تقليد أسلوب طه حسين لإعجابى به وبفكره". كما تتذكر "عبد الكريم" مع قرائها "يوسف وهبي" ابن الباشا الذى صار فناناً للشعب بعد أن ذهب لدراسة القانون فى إيطاليا، وتركز هنا جانب مهم فى حياته وهو قناعاته بعلم الأرواح، حتى أنه كتب مقدمة لكتاب " العلاج الروحى " للدكتور على عبد الجليل راضى، أستاذ علم الطبيعة فى كلية العلوم بجامعة عين شمس، وخصت الدكتور مصطفى محمود بالكثير من صفحات كتابها رغم أنها كتبت كتابا منفردا عنه من قبل، لتذهب معه إلى محطة أخرى فى حياته، حين رفض عرض الرئيس أنور السادات عليه حقيبة وزارية. وتذكر لوتس فى "سيرتى وأسرارهم موقف آخر عن مصطفى محمود، حيث تروى أن إحسان عبد القدّوس، فى مرضه الأخير، طلب زيارة مصطفى محمود فى الغرفة التى يعيش فيها أعلى المسجد الذى يحمل اسمه، ولاحقاً قال لها صاحب برنامج "العلم والإيمان" : إن كل من استعمل مخه فى عصيان الله أصابه الله فيه، وكأنه هنا كان يقصد كل من "أحمد بهاء الدين ولويس عوض ثم عبد القدوس ويوسف إدريس". وكعادتها فى الكشف عن خبايا "عبد الوهاب" الذى كتبت سيرته من قبل، حيث أوردت هنا فى هذا الكتاب موقفا كان يعترف أمام مصطفى محمود بأخطائه وكأنه أمام كاهن، ويبكى متسائلاً عن طريق للمغفرة، بينما تحوّل مسجد مصطفى محمود - بحسب وصفها - إلى مكان تجتمع فيه "ياسمين الخيام" مع الفنانات اللواتى هجرن الشاشة والمسرح، ذاهبات إلى الحجاب وتفرّغهن لنصائح مصطفى محمود، مثل "مديحة كامل وعفاف شعيب وشادية"، والأخيرة، كانت تلجأ إليه كثيراً لأخذ النصيحة، ويوم أن كرمت الدولة شادية، هنا تشير إلى أن مصطفى محمود منعها من حضور الاحتفال قائلاً : " هم يقولون إنك كنت فى مجد، وهو ليس مجداً، ولم تذهب شادية وتبرعت بالفعل لـ "جمعية محمود" ببناية شاهقة فى حى "المهندسين". وتعاود "لوتس" الحكى بحديث ذو شجون عن صديقتها الملكة فريدة التى احتضنتها فى سنواتها الأخيرة، وكيف تعرفت عن قرب بالتشكيليين صلاح طاهر وصبرى راغب وفاروق حسنى وحسين بيكار ومحمود سعيد، لكن يظل موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب يستولى على حيز كبير من صفحات كتابها، وكذلك الحال مع سيد مكاوى الذى عشقت فنه، ثم تختتم بخالها أمين عثمان، وزير المالية الذى اغتالته منظمة سرية فى الأربعينات بدعوى موالاته الاحتلال الإنكليزى، وكان السادات بين المتهمين كما نعرف من كتب التاريخ السرى. ولم تنسى أن تشير إلى أن عبد القدوس كتب رواية "فى بيتنا رجل"، من واقع هذه القضية، إذ أخفى فى بيته المتهم الأول حسين توفيق، وكان عبد القدوس أيضاً ضد إقامة الملكة فريدة فى منزل لوتس لاحقا، وتنفى لوتس بشدة عن خالها الخيانة بشهادات مؤرخين، بينهم الدكتور عبد العظيم رمضان، وتؤكد أنه حاول تحقيق مصالح مصر من خلال علاقاته بالدولة البريطانية. لنبقى نحن أمام كتاب مختلف، ينتمى فى جزء منه إلى أدب السيرة الذاتية وكذا دأب الكاتبة التى عاشت تجوب الآفاق وترحل من بلد إلى آخر وقد استمر هذا الأمر لمدة ثلاثة عقود، ارتادت فيها الأمكنة كأنها رحالة أو جغرافية أم مستكشفة من الزمن العربى فى العصور الوسطى، إذ أنك تشعر وكأنها حفيدة إبن فضلان، وإبن بطوطة والإدريسى، وابن جبير، وإبن ماجد، والمسعودى، ولا يتسرب الشك لك إلا أنها على معرفة بطابع الشعوب، عبر مشاهدات وتجارب عاشتها وحدها أو سواء مع آخرين، بحيث لا تكمن روعة كتابها "سيرتى.. وأسرارهم " فى أسراره الكثيرة، التى تتعلق بهؤلاء الرواد العظام الذين شكّلوا ملامح الريادة بكل مفرداتها من فكر وثقافة وأدب وفلسفة وفن، ولا يكمن أيضا فى تلك اللوحة الشاملة الرائعة التى شكّلت الكاتبة فى عوالمها نسقا بديعا، كما لا ينطوى كذلك فى مخاطبة النفس البشرية التى تنشد الجمال والرفعة فى تلك الروح بكل ما يحوطها من معانى الحياة، وإنما تبقى صافيةً هادئةً نقيةً فى تلك المتعة التى تستأثر بوجدانك من أول سطورها؛ لترحل بك فى عالم من الجذب والسفر والتأمل، تترامى بكل نواحيه أمام عينيك، فلا تصل إلى آخر مداه، إلا وقد فرغت من قراءته، ويظل هذا الكتاب عودة إلى الزمن الجميل، بكل مفرداته، ودعوة جادة لأن نبحث عن الجمال فى كل ملمحٍ من ملامح حياتنا، إنَّه كِتَابٌ يضيف إليك مالم تكُن تعلم، بحكم أن الدكتورة لوتس عبد الكريم كانت قريبةً من شخصيات كتابها، تماما كما جاءت السير بأسلوبها الرشيق عبر سطوره التى تفيض بالمحبة والاحترام.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;