فاتنة السرايا

تتململ فى جلستها فى انتظار دورها عند الطبيب تسبح أفكارها فى ذكريات حلوة ومرة.. ثلاث سنوات مرت لم تشعر بها.. تنتفض من داخلها عندما تتذكره يعبث بجسدها يطبع قبلاته اللاذعة على كل سنتيمتر من خلاياها.. وبعد أن ينال منها يتوعدها بأنها لن تهرب منه ولن يتركها إلا أشلاء. فهذا الجسد من ممتلكاته التى اشتراها بالأقدمية فقد ورثها عن والده كما ورث العزبة والأطيان.. فاطمة ولدت فى بيت العمدة الكبير فى إحدى قرى الصعيد التى ليس لها مكان على خريطة مركز التعبئة والإحصاء لا تعرف سوى السمع والطاعة كما علمتها أمها.. لا تناديه إلا «سيدى كامل بيه» فهو ابن العمدة وأمها كانت تناديه هكذا.. لا تجرؤ على الاعتراض فمثلها فى السرايا مثل الخيل فى الاسطبل بل أن الخيل يمكن أن يتذمر ويرفض أن يأكل أو يشرب أو يخرج للركوب. أما فاطمة فهى مثل كرسى المندرة الذى يدخله الضيوف لا يتحرك إلا بإذن من صاحب السرايا.. منذ أن كانت فى الخامسة عشرة من عمرها وكامل بيه يشتهيها.. فالوردة البلدى مازالت بشوكها ورائحتها تفوح على استحياء.. كلما رآها يشعر أنها تناديه بشفتيها القرمزيتين وخديها اللتين لفحتهما نار الفرن فاتخذا من اللون الأحمر القانى علامة من علامات فاطمة.. «فاتنة السرايا» التى التهب بحبها معظم شباب القرية، لكنها مصادرة بأمر من كامل بيه فمنذ نعومة أظافرها ووالدتها ربتها على حقيقة واحدة أنهم من عبيد السرايا.. فاطمة لا تعرف القراءة ولا الكتابة فليس من حقها أن تتعلم حتى لا تعرف أن لها حقوق، وأنها لم تخلق عبدة لأحد، هذا ما قاله لها ناصر الرجل الوحيد الذى تعلق قلبها به علمها كيف تقرأ وكيف تكتب، فهذا الرأس الجميل لابد وأن يعمره العلم.. شاب من أولئك الذين «لحست» الثقافة عقولهم والده فلاح بسيط مات وهو يفلح أرضه ووالدته كمئات الأمهات الطيبات تدعو لولدها بالستر والصحة وبنت الحلال.. فاطمة «نداهة القرية» ندهت ابنى الوحيد ناصر وهو يسير وراءها فى كل مكان تذهب إليه.. قالتها أمه ذات مرة «مهما فعلت يا ناصر لن تتزوجها»!! ينظر ناصر إلى أمه نظرة استعطاف تارة وتارة أخرى نظرة تحد فتنكمش الأم فى نفسها وتستحلفه بأغلى شىء فى حياته برحمة والده أن يتزوج أى فتاة أخرى مهما كلفها الأمر ستبيع القراريط اللى حيلتهم بشرط واحد أن يبتعد عن هذه النداهة.. لن يتركه كامل بيه فى حاله.. هى ملك له ولو أدى الأمر سيقتله؟؟؟!!!! رسم ناصر لفاطمة الخطة وحرضها على الهرب وانتظر فى الموعد لكنها لم تأتِ. دارت فى رأسه كل الأفكار السوداء وأولها أن كامل بيه قد شعر بها وهى تحاول الهروب وتعرضها للضرب والإهانة حتى قررت التخلى عنه، وآثرت السلامة والخضوع لحالها والرضا بوجودها كعبدة من عبيد السرايا.. كما قالت له أمه.. لكنه لم يأت فى ذهنه ولم يخطر على باله أنها فى تلك اللحظة الفارقة فى حياتهما، قرر كامل بيه اغتيال عذريتها والقضاء على آدميتها حتى لا يجرؤ أحد من شباب القرية الاقتراب منها أو حتى تراودها أحلام الحرية أن تكون لرجل غيره. قاومت وهل تنفع مقاومة العصفور للكلب المسعور.. كانت تعرف أن هذا اليوم قادم.. كانت تظن عندما اتفقت مع ناصر على الهرب أنها انتصرت على خوفها وأها ستنجو للأبد!! تركها كامل بيه جسدا فقد حياته فقررت الانتحار حاولت وحاولت مرات متتالية، ولكن أمها فى كل مرة كانت تنقذها.. وتسأل أمها ما الفرق بين الانتحار والنوم بين أحضان كامل بيه؟ لكن أمها لا تنطق بكلمة ودموع الانكسار على حال ابنتها. تلك الملاك الذى دمرته يد القهر.. لكن الأم الضعيفة التمع فى عقلها البسيط فكرة جهنمية هى السبيل لإنقاذ ابنتها من مصير العبودية.. ذهبت إلى ناصر وقابلته وبكت بين يديه أن ينقذ ابنتها ورمت له فكرتها التى رآها الحل الوحيد. لطمت الأم خديها وشقت جلبابها نصفين وأهالت التراب على رأسها فقد ألقت فاطمة نفسها فى الرياح وتركت ملابسها كل ما تملكه فى الدنيا وورقة تعترف أنها أنهت حياتها بنفسها بعدما ضاقت بها الدنيا.. هب كامل بيه غير مصدق أطلق رجاله يبحثون ويبحثون لم يتركوا مكانا لم يفتشوا فيه.. لكنهم لم يعثروا عليها، أصوات ولولات نساء القرية يتضامن مع أم فاطمة.. قضت أم فاطمة أياما وليالى فى حزن متصل.. وذات ليلة بحثوا عنها فلم يجدوها حتى ظنوا أنها رمت نفسها فى الرياح لتلحق بفاطمة. تهزها هزات حنونة.. فاطمة فاطمة.. لسه دورك لم يأت أيوه يا ماما الدنيا زحمة أوى والحمل تاعبنى مش عارفة ناصر اتأخر ليه الأم: كلميه يا بنتى فى التليفون.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;