لا خلاف على أهمية قضية التعليم.
ولا خلاف على أن أى بناء، أو إعادة بناء لهذه الأمة لن يكون إلا بتعليم حقيقى وقوى، يلبى متطلبات واحتياجات العصر.
ولا خلاف على أن التعليم كان إحدى أدوات القوى الناعمة المصرية، ولا تكاد تجد زعيمًا عربيًا إلا وقد تعلم- فى الغالب- فى إحدى الجامعات المصرية، وتربى ثقافيًا على كتب مبدعيها.
ولا خلاف على أننا جميعًا غير راضين على ما آل إليه مستوى التعليم «أو اللاتعليم، واللاتربية» فى مدارسنا، التى أصبحت فصولها خاوية، وكل أولادنا فى الشوارع، من وإلى «السناتر»، لتلقى الدروس الخصوصية، حيث المليارات التى تضيع هباء منثورًا، لا الطالب استفاد شيئًا، ولا المجتمع حصل على خريج قادر ومؤهل بمتطلبات العصر.. مجرد شهادات، حتى صدقت فينا المقولة الساخرة إن مصر «بلد شهادات»!
اتفقنا على أن التعليم بوضعه الحالى لا يُرضى «عدوًا أو حبيبًا»، ومع ذلك نحارب أى فرصة أو مبادرة للتغيير.. نخاف، ونطلق الفزاعات لإرهاب أى وزير يفكر أن يقوم بمشروع للتطوير، وتصل حالة الرعب المجتمعى إلى ذروتها إذا كان هناك حديث عن أم الكوارث فى المجتمع المصرى، ومحطمة قلوب كل الآباء والأبناء، البعبع الشهير بالثانوية العامة التى تؤهلك أما إلى الجنة وإما إلى النار.
كل الفزاعات أطلقت فى وجه كل الوزراء السابقين، حتى جاء د. طارق شوقى وزيرًا للتعليم، وفى أثناء أداء القسم ابتسم الرئيس عبدالفتاح السيسى فى وجهه، وقال له: جاء وقت تحقيق ما حلمت به! حيث كان قبل ذلك مستشار مؤسسة الرئاسة.
الرئيس عبدالفتاح السيسى يختلف عن سابقيه، إذا اقتنع بشىء، مهما كان صعبًا، ويصل إلى مرحلة المستحيل، فإنه يتصدى له، ما دامت فيه مصلحة للبلد، ظهر ذلك جليًا فى مسألة الإصلاح الاقتصادى الذى كانت كل النصائح تقول بتأجيله حتى لا تتآكل شعبيته، لكنه راهن على وعى المصريين، وتصديقهم له وإيمانهم به، والآن جاء الدور على المشروع المتكامل لتطوير التعليم بجد، ملامح هذا المشروع تبلورت خلال 15 شهرًا من العمل ليلًا ونهارًا من الوزير، ومن فريق كامل من الخبراء، وبالاستعانة بتجارب وخبرات دولية، وبالاستعانة بدول حققت طفرة فى التعليم، حتى خرجت للنور ملامح متكاملة لمشروع مصرى أصيل قابل للتطبيق، كل هذا رغم أن بعض أصحاب المصالح أطلقوا أبواقهم على الوزير، وراحوا يتصيدون له الهفوات.
قبل أيام خرج الوزير المتسلح بمحراب العلم أكثر من تسلحه بالإعلام وأدواته فى مؤتمر صحفى يعلن فيه بداية ملامح النظام الجديد، الذى فى جوهره ليس مجرد نظام يمكن تقزيمه فى «شهادة الثانوية العامة»، ومكتب التنسيق والسلام، إلى ما هو أهم بتحويل التعليم إلى متعة معرفية حقيقية، الأمر سوف يتكلف حسب حسابات الأمم المتحدة حوالى 2 مليار دولار، قرر البنك الدولى أن يوفر ربع هذه الاحتياجات، ومصر تدبر الباقى من مصادر ذاتية، ومصادر دولية أخرى، ودول أخرى تقف بجانب مصر.. المهم أن قطار التطوير انطلق، ولن يقف هذه المرة مهما حاول الطابور الخامس إيقافه أو تعطيله تحت مبررات كثيرة واهية أو مصطنعة، كل مشكلة ولها حل، المهم الإرادة، وهى هذه المرة موجودة، وممثلة فى قيادة سياسية لا تنجح معها مثل هذه الأساليب.
محاور التطوير كثيرة، والمشروع- أى مشروع- يحتاج على الأقل إلى عشر سنوات وربما 15 عامًا ليؤتى ثماره، ولكن ما أعلن حتى الآن أراه رائعًا يسير فى إطار أدوية عاجلة لتخفيف آلام المريض، وفى إطار ثان يتمثل فى الجراحة التى تحتاج وقتًا وتجهيزًا للمريض الذى يرفض- للأسف- العلاج ويخافه، ويرضى بالمسكنات.
تخيل أنه منذ سبتمبر المقبل سيتسلم ابنك الذى سيلتحق بالصف الأول الثانوى «تاب» عليه كل المنهج، من كل الدنيا، ومن الكتب الخاصة، وبكل وسائل المعرفة، حتى الأفلام الوثائقية والعلمية، المهم يقرأ ويفهم ويستمتع، وسوف يأتيه امتحان خاص به دون غيره، ليس من المدرسة التى يتعلم فيها، ولا من المدرس الذى يشرح له، ولكن من مخزن أسئلة فى جهة سيادية، وسيتم تصحيحه دون أن يعرف من أنت ولا فى أى مدرسة، ولا أنت ابن أى باشا من باشوات مصر.. إذن انتفت العلاقة، ولن يكون هناك دور للمدرس سوى التعليم.. إذن لماذا ستكون الدروس؟
سوف تختفى تلقائيًا مع الوقت، لأنه لن تكون هناك حاجة لها، لأنه لن تكون هناك أسئلة نموذجية، ولا إجابات معلبة يحفظها الطالب ويحصل على أعلى الدرجات.. ليس هذا بل سيكون من حق الطالب أن يمتحن كيف شاء، ويختار أعلى درجات له.
طبعًا هناك حزب تعطيل المراكب، يتساءلون بسوء نية: الوزير رايح يرمى فلوس مصر فى شراء «تابات» والفصول ممتلئة على آخرها؟، إلى غير ذلك من الفزاعات والمشكلات.
الذى أستطيع أن أؤكده وسمعته من الوزير فى مؤتمر صحفى، وفى لقاءات خاصة به، أن كل شىء مدروس، ومعد له، والمناهج ستكون نقلة جذرية، وتم توقيع اتفاقيات مع أكبر جهات متخصصة فى المناهج المعربة فى الولايات المتحدة الأمريكية.. والتمويل جاهز والحمد لله.
إذا كان لى أن أوصى بشىء، فأنا أتمنى أن يخرج الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال أيام من تنصيبه ليعلن للرأى العام المصرى، وبجواره وزير التربية والتعليم، مشروعه الذى حلم به كل مصرى لتطوير منظومة التعليم.. قطار تطوير التعليم انطلق.