لا ينكر أحد أن الدكتور فتحى سرور، البالغ من العمر 86 عامًا، أنه أحد القامات القانونية الكبيرة فى هذا الوطن، وأنه يتمتع بخبرة إدارية ضخمة، اكتسبها من تقلده لمناصب جوهرية، منها وزيرًا للتعليم عام 1986 واستمر 4 سنوات، بعدها تولى رئاسة مجلس الشعب لمدة 21 عامًا، بجانب توليه مسؤولية رئاسة الاتحاد البرلمانى الدولى لمدة 3 سنوات، ناهيك عن عشرات المناصب فى الجمعيات والاتحادات القانونية فى الداخل والخارج!!
الدكتور فتحى سرور، ومن خلال كل هذه المناصب المهمة التى تقلدها، أصبح جزءًا من ذاكرة تاريخ مصر، ومن ثم صار موضع مناقشة، ومساءلة، ومن حقنا طرح الأسئلة التى تتردد خلف الكواليس على ألسنة معظم الحرس القديم من نظام مبارك، عن الدور المحورى الذى لعبه الرجل فى تقريب وجهات النظر، ومد جسور العلاقة بين مبارك وجماعة الإخوان..؟
تعالوا نعود بالذاكرة للوراء، وتحديدًا إلى عهد السبعينيات، عندما قرر الرئيس الراحل أنور السادات، منح قبلة الحياة لجماعة الإخوان الإرهابية وحلفائها، وسمح لهم بالعودة للمشهد السياسى من جديد، هنا ظهرت العلاقة القوية بين الدكتور فتحى سرور، والدكتور سليم العوا، وعمر التلمسانى، وغيرهم من قيادات الإخوان..!!
وتطورت العلاقة بشكل كبير عندما تقلد الدكتور فتحى سرور منصب وزير التعليم عام 1986، واستمر فى منصبه حتى عام 1990، وتلك الفترة شهدت مساندة ودعمًا إخوانيًا للرجل، سواء من خلال أعضائها تحت قبة البرلمان، أو فى الشارع، عندما تبنى سياسة مكافحة الغش الجماعى فى المدارس، وغلفها بالحديث النبوى «من غشنا فليس منا».
ومن جانبه، أبدى «سرور» استعداده للتعاون مع جماعة الإخوان، وظهر ذلك عندما تقدم الراحل الوفدى الكبير ياسين سراج الدين، و20 عضوًا آخرين، بطلب مناقشة للدكتور فتحى سرور، حول تطوير التعليم، وفى المقابل، تقدم ثمانية نواب من بينهم نائبان من الإخوان، بسؤال حول وضع مادة التربية الدينية فى تطوير التعليم!!
وكان رد الدكتور فتحى سرور حينها، فى بيان رسمى نصه وبصفته وزيرًا للتعليم: «أن التربية الدينية تحظى من الوزارة بكل الاهتمام، فالهدف من تطويرها هو تكوين المواطن الصالح الذى يستمد مثله العليا من مبادئ الإسلام القويمة التى يقوم عليها النظام الإسلامى»، ثم عرض وسائل تحقيق الهدف فى 4 عناصر: غرس العقيدة، ودراسة العبادات وممارستها، واستعراض بعض القضايا التى يثيرها أعداء الدين والرد عليها، وتعزيز كل وسائل التربية الدينية مدعمة بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية.
ورد النائب الإخوانى حينها، محمود أحمد نافع، بأنه يبارك هذا التطوير وينتظره، ولكنه طالب بضرورة تنقية مناهج الفلسفة وعلم النفس مما تتضمنه من تداخلات، وتشكيك فى الأديان، متهمًا بأن الملحدين والعلمانيين هم الذين وضعوا هذه المناهج المخربة للعقول، حسب وصفه، حينذاك.
وفى مايو 1989 تقدم نواب الإخوان ومن بينهم «مختار نوح» باستجوابات وطلبات إحاطة للدكتور فتحى سرور، باعتباره وزيرًا للتعليم، ورئيسًا للمجلس الأعلى للجامعات، يطالبون فيه بضرورة إزالة المعوقات أمام تعيين الإخوان فى هيئات تدريس الجامعات، والسماح للطلاب المنتمين للتيارات الدينية ومنها جماعة الإخوان بممارسة نشاطهم الطلابى بتأسيس الأسر، وخوض انتخابات اتحادات الطلاب فى الكليات والجامعات المختلفة.
ثم هاجموا كتب التاريخ واعتبروا أن جرعة التاريخ الإسلامى فيها ضئيلة بالمقارنة مع ما تتضمنه عن التاريخ الفرعونى، وطالبوا بحذف التاريخ الفرعونى، وتكثيف التاريخ الإسلامى، خاصة فى مناهج الصف السادس الابتدائى.
ومنذ ذلك التاريخ، وبعد مناقشة هذه الطلبات والأسئلة، تردد بقوة وعلى لسان المقربين من فتحى سرور، أنه خفف وطأة العقبات التى كانت تواجه الإخوان فى الانضمام لهيئات التدريس الجامعية، والسماح لطلاب الإخوان بممارسة نشاطهم الطلابى، فكانت نقطة الانطلاقة المهمة لسيطرة الإخوان على هيئات التدريس واتحادات الطلاب، كما تم إلغاء الصف السادس، وكأنها رسالة تقول للإخوان، لا تغضبوا من قلة ما تتضمنه كتاب التاريخ للصف السادس الابتدائى عن التاريخ الإسلامى، فقد قررت إلغاء الصف السادس برمته!!
ولوحظ فى نفس التوقيت أن تأسيس مدارس الإخوان، بدأ ينتشر بكثافة، ولم يتصد فتحى سرور لتلك الظاهرة، وتركها تكبر وتترعرع وتنتشر، كانتشار النار فى الهشيم.
وهكذا وبعد مرور 32 عامًا وتحديدًا منذ عام 1986، تاريخ تقلد فتحى سرور منصب وزير التعليم، سيطر الإخوان على هيئات التدريس فى الجامعات، وأصبحوا يغرزون أفكارهم المتطرفة فى عقول الطلاب، بجانب ما تخربه المدارس الإخوانية للعقول، فوصلنا إلى ما نراه الآن، من انتشار مخيف للفكر الإرهابى الكارثى.
الغريب أن الدكتور فتحى سرور، انزعج، من انتقادى لقبوله الدفاع عن 1256 إرهابيًا منهم محمد مرسى العياط، وخرج علينا ليؤكد أنه يدافع عن 7 أشخاص «قالوا» له إنهم أبرياء، وإنه يدافع عن القانون وليس الإرهابيين.
مبرر «سرور» حقيقة أريد بها باطل، فنحن نتعامل مع فتحى سرور ليس كونه محاميًا فقط، وإنما مسؤول مهم طوال 25 عامًا كاملة، فأصبح جزءًا مهمًا من ذاكرة تاريخ مصر، تستوجب النقد والمساءلة.
ونسأله كيف ترتضى حضرتك وأنت رجل وقيمة قانونية كبرى أن تدافع عن إرهابيين بناء على مصطلح «قالولى»؟.. قالوله، مصطلح شهير للمحامى «خليفة خلف الله خِلف خلاف المحامى» فى المسرحية الشهيرة «شاهد ماشفش حاجة»!!
يا دكتور، لا تبرر، واعترف أنك قبلت وبإرادتك الدفاع عن رفاق محمد مرسى، وتعلم حضرتك أن حصولك على براءة السبعة، فى القضية، ينسحب على براءة الجميع!!