لا جدال على أن الاتفاق النووى الذى وقعته الدول الست الكبرى «الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا»، مع إيران فى 2015 يواجه حاليًا مصيرًا مجهولًا، فالرئيس الأمريكى دونالد ترامب لم يعد الوحيد المتحفظ عليه، بعدما انضم له مؤخرًا الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الذى أعلن، الثلاثاء الماضى، فى مؤتمر صحفى بالبيت الأبيض، أن بلاده ترغب بالعمل على اتفاق جديد مع إيران، وهو ما يشابه موقف ترامب الذى دعا إلى اتفاق نووى جديد مع إيران يستند على أسس «متينة».
ماكرون الذى سبق وحذر واشنطن من خرق الاتفاق النووى الإيرانى، يبدو أنه اقتنع بوجهة نظر ترامب، التى ترى أنه من الضرورى تصويب الاتفاق، كونه منح طهران فرصة لزيادة نفوذها السلبى فى منطقة الشرق الأوسط، وزيادة التوتر خاصة فى سوريا واليمن والعراق ودول الخليج من خلال الميليشيات الشيعية التى تعمل على تنفيذ الأجندة الإيرانية، لذلك رأينا ماكرون يقول إنه يتبنى توجهًا جديدًا تجاه إيران، ويجب تصويب الأمور فى كل المسائل، من خلال إضافة بعض العناصر على الاتفاق وتعديله ليشمل الصواريخ الباليستية ونشاطات إيران بالمنطقة.
أمامنا الآن أسبوعان، ويعلن ترامب موقفه النهائى، فهو سبق وحدد 12 مايو المقبل، للإعلان عن موقفه النهائى، آخذًا فى الاعتبار أن سيد البيت الأبيض يريد الانسحاب من الاتفاق إذا لم يتم فرض قيود مشددة ضد طهران وتدخلها فى المنطقة، وهذا ما تتحسب له الدول الأخرى الموقعة، لكن يبدو أن الكتلة الصلبة المساندة للاتفاق بدأت تتفكك على صخرة التدخل الإيرانى فى الملفات الإقليمية، وتحديدًا الوضع فى سوريا الذى تراه واشنطن ومعها باريس ولندن أنه وصل إلى درجة من الخطورة تستدعى التدخل، بطبيعة الحال ليس تدخلًا عسكريًا، بعدما فشلت ضربات العدوان الثلاثى على دمشق قبل أسبوعين تقريبًا من إحداث تغيير فى الأوضاع على الأرض، بل أن هذا العدوان زاد من قوة وصلابة الموقف السورى، لكن الدول الثلاثة يأملون فى تدخل خارج النطاق العسكرى، من خلال تحجيم الدور الإيرانى، والبدء فى حوارات ونقاشات مفتوحة مع روسيا، لكن الأهم بالنسبة لهم إيران.
الولايات المتحدة ومعها فرنسا لديهما اقتناع راسخ الآن بأن على إيران تقديم تسهيلات فى الملفات الإقليمية وإلا سيكون البديل هو إعادة فتح الملف النووى مجددًا، ولا أستبعد أن تدخل بريطانيا على الخط الأمريكى الفرنسى الجديد ارتباطًا بالتنسيق الثلاثى بينهم تجاه الملف السورى، الذى بات يؤرق العواصم الثلاثة، لذلك فهم يرون أنه لا سبيل لحدوث تغيرات فى سوريا إلا من خلال محاصرة طهران، وهذا لن يحدث إلا بورقة النووى مرة أخرى.
وبخلاف الوضع فى سوريا فإن الولايات المتحدة تواجه ضغوطًا خليجية جراء التدخلات الإيرانية المستمرة فى الشؤون الداخلية لدول الخليج خاصة البحرين والسعودية، إما من خلال دعم العناصر الشيعية النشطة فى البلدين، أو بتأجيج الوضع فى اليمن بدعم ميليشيا الحوثى لتصبح مصدر تهديد دائم وإزعاج مستمر للمملكة العربية السعودية، وأمام هذا الوضع ليس أمام ترام إلا العمل على تشكيل تحالف دولى إقليمى جديد لمواجهة الأجندة الإيرانية فى المنطقة، ولا يخفى على أحد أن فرنسا تدرك خطورة التدخلات الإيرانية، تحديدًا فى الملف اللبنانى الذى تضطلع باريس بدور مهم به، وفى نفس الوقت ترى تأثيرات التدخل الإيرانى بدعم حزب الله فى مواجهة تيار المستقبل والتيارات السياسية الأخرى.
كما أن الوضع فى العراق لا يختلف كثيرًا عن سوريا واليمن ولبنان أيضًا، فإيران متغلغلة بقوة فى الداخل الإيرنى، حتى وإن كانت الحكومة الحالية بقيادة حيدر العبادى تحاول النأى بنفسها عن النفوذ الإيرانى، لكنها لا تستطيع التبرؤ منها بالكامل، لأن طهران هى الطرف القوى فى المعادلة السياسية العراقية، المقبلة على انتخابات برلمانية فى غاية الأهمية وتحدد مستقبل الدولة التى عانت ولا تزال تعانى من جراء الاحتلال الأمريكى، الذى سمح لإيران بأن يكون لها الصوت القوى فى العراق.
كل المؤشرات تقول إن الملف النووى الإيرانى مقبل على تغيرات مهمة، إن لم يتم إلغاؤه على الأقل سيحدث اتفاق خلال الأيام المقبلة، وتحديدًا قبل الثانى عشر من مايو لإحداث تغييرات جوهرية به، تكون ملزمة لإيران، للحد من نفوذها الإقليمى الذى تضاعف فى أعقاب التوقيع على الاتفاق فى يونيو 2015، فالولايات المتحدة لن تأخذ زمام المبادرة بمفردها، وإنما ستشهد الأيام المقبلة توافقًا من دول أخرى مع الرؤية الأمريكية، خاصة مع إدراك هذه الدول أن الاتفاق منح إيران نفوذًا وقوة ما كان ينبغى تجاهلها وقت أن وقع السداسى الدولى هذا الاتفاق.