بالرغم من أن مصر ليست معتادة على السيول والأمطار الكثيفة، فإن السنوات الأخيرة شهدت تغيرات مناخية فى العالم كله، ومنها الشرق الأوسط وأفريقيا، تظهر فى صورة فيضانات او أعاصير أو جفاف، وهذه التحولات وضعت مصر ضمن حيز السيول والمطر الكثيف فى بعض أوقات العام، وبعد أن كانت كتب الجغرافيا فى السابق تشير إلى أن مناخ مصر هو مناخ البحر المتوسط، «حار جاف صيفا، دافئ ممطر شتاء»، أصبح حارا رطبا صيفا، والمطر يتساقط مرات فى الربيع والصيف.
وبدأت التحولات منذ التسعينيات، وأرجعها الخبراء إلى الانبعاث الحرارى والحروب والتجارب النووية وقطع الغابات، والصناعات الملوثة، وهى تأثيرات تتزايد ويتوقع معها ارتفاعات بدرجات الحرارة وتغيرات مناخية حادة، كالأعاصير والفيضانات والجفاف والسيول، بل وهناك توقعات بارتفاعات فى مستوى مياه البحار والمحيطات، وتكرار « تسونامى» فى بعض المناطق.
وفيما يتعلق بما جرى خلال الأيام الماضية، يفترض أن نفرق بين أمرين، الأول هو السيول والأمطار الكثيفة غير المتوقعة، التى يمكن أن تسبب أضرارا مهما كانت الاستعدادات، والأمر الثانى الاستعدادات الطبيعية لدى الأجهزة المحلية، بالشكل الذى يمكنه تقليل الأضرار، والأهم هو التعامل مع الأمر من دون تهوين أو تهويل.
وبالطبع، فإن التغيرات المناخية التى تضاعف من احتمالات السيول والأمطار طوال العام، تستدعى إعادة النظر فى البنية الأساسية عموما وشبكات الصرف بالشكل الذى يستوعب الهجمات المفاجئة للأمطار، مع التفرقة بين التأثيرات المفاجئة وغير المتوقعة، وبين الإهمال الناتج على فشل وتقاعس فى المحليات.
فيما يتعلق بهجمات السيول وتحطيم طرق من ضغط المياه، فهو أمر يتكرر فى دول متفرقة، ويفترض أن تسبقه تحذيرات وإغلاق للطرق المتوقع أن تتعرض لهذه الهجمات، مع الإسراع بإجراءات الصيانة وإصلاح الأضرار.
و ما حدث فى القاهرة الجديدة والتجمع ومدينتى وغيرها من المدن الجديدة، يرجع فى جزء منها إلى غياب الاستعدادات الطبيعية، مثل تطهير الأنفاق وعمل مخرات للسيول، وتصريف المياه الزائدة بسرعة.وما كشفته تحقيقات الرقابة الإدارية أن إدارة القاهرة الجديدة لم تقم بما عليها من استعدادات والمسؤولين فيها تعاملوا بإهمال وتجاهلوا توفير استعدادات الإغاثة ومنازل ومطالع الكبارى والطرق الرئيسية، الأمر الذى ضاعف من التأثيرات السلبية على المواطنين.
وقد تحرك رئيس هيئة الرقابة الإدارية، الوزير محمد عرفان، فى منطقة القاهرة الجديدة، التى تعرضت لموجة من السيول، وحقق بنفسه فى المخالفات التى ظهرت ومظاهر الإهمال، التى أدت إلى انقطاع الكهرباء، وتأخر الجهات المعنية فى شفط مياه الأمطار والأسباب التى أدت لتراكمها، مما ترتب عليه غرق عدد من المنازل والشوارع.
وقال رئيس هيئة الرقابة الإدارية: «إن هناك تقصيرا شديدا أدى لذلك»، ويتوقع أن يتم فتح ملفات الأخطاء وتحويل المسؤولين عن الإهمال للمحاسبة.
وهناك بالفعل أخطاء ترجع إلى سنوات فى التخطيط والتصميم، ويتوقع أن يتم فتح ملفاتها، واستدعاء ومحاسبة المسؤولين عنها، وهناك إهمال وتقاعس من رؤساء أحياء يستحقون الإقالة والمحاسبة، ليس فقط للإهمال فى مواجهة الأمطار، لكن أيضا لفشلهم العام فى القيام بدورهم، حتى لا تتكرر المشكلات مع كل أزمة.. هناك فرق بين تأثير الكارثة الطبيعية، وتأثير الإهمال الإدارى.