بالرغم من الجدل المثار حول مسألة الخصوصية، حقق موقع فيس بوك أرباحا، وأعلن مارك زوكربيرج أن أرباح الربع الأول لعام 2018 قفزت بنسبة %63 مقارنة بالعام الماضى، لتصل إلى 5 مليارات دولار، بما يعنى أن الموقع يكسب بالرغم من الاتهامات التى يواجهها، على خلفية الكشف عن استغلال شركة كمبردج أناليتيكا للمعلومات الشخصية لنحو 87 مليون مستخدم لصالح حملة المرشح الرئاسى دونالد ترامب، وهو ما ضاعف من الانتقادات والهجوم من قبل مؤسسات سياسية، وخضع مارك زوكربيرج للتحقيق أمام الكونجرس الأمريكى، وأيضا مسؤولون بالشركة للتحقيق أمام جهات بريطانية حول حدوث اختراقات للتأثير على الرأى العام.
خطورة الانتقادات والاتهامات أنها تأتى من دول كبرى، لم تكن تعطى اهتماما لنظريات المؤامرة، وكانت تعتقد أنها تمتلك منظومة تحمى الديمقراطية من التلاعب أو التدخلات والتوجيه، لكن حالات كمبردج أناليتيكا أو التصويت للبريكست أثارت تساؤلات حول قوة السياق السياسى فى مواجهة الاختراق، ودفعت لإعادة النظر فى شكل السلطة التى أصبحت قابلة للتلاعب.
اللافت للنظر أن التوظيف السياسى لفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعى لخدمة السياسة كان معروفا، وتم استعماله بشكل لم يلق أى اعتراض، وكان فيس بوك مؤيدا للمرشح الرئاسى باراك أوباما، ووافق على توظيف الموقع سياسيا لدعم أوباما، وهو أمر وجد ترحيبا من الديمقراطيين.
واعترفت كارول دافيدسن، مديرة التحليلات الإعلامية لدى الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، بأن شركة «فيس بوك» سمحت لفريق أوباما باستخدام الموقع لجمع كميات كبيرة من المعلومات فى 2012. واستخدمت حملة أوباما هذه المعلومات لاستهداف الناخبين عبر صفحات أصدقائهم، ولتشجيع المواطنين للتصويت لصالح الديمقراطيين، وأن شركة «فيس بوك» سمحت بذلك بطرق كان من الممكن حظرها، لأن «فيس بوك» كان يؤيد المرشح أوباما آنذاك، وأن هذا وفر للديمقراطيين التفوق على الجمهوريين.
ما أعلنته كارول دافيدسن هو نفسه ما يتهم الديمقراطيون كمبردج أناليتيكا وفيس بوك بفعله لصالح ترامب، فى ازدواجية تجاه التلاعب السياسى، الذى يمكن التسامح معه مادام لصالحهم، وهو نفس ما أعلنه خبير أمريكى علق على الاتهامات الأمريكية للروس بالتدخل فى الانتخابات الأمريكية، وقال: «إننا فى أمريكا لم نتوقف يوما عن التدخل فى روسيا وغيرها»، تصريحات الخبير الأمريكى كانت بمناسبة التحقيقات التى أجراها المستشار الخاص روبرت مولر، مع فريق عمل موقع «فيس بوك» فى يناير الماضى، حول التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016، واتهامات ببيع أكثر من 3 آلاف إعلان عبر موقعى «فيس بوك» و«إنستجرام» لصالح حسابات وهمية تديرها «وكالة أبحاث الإنترنت» الروسية. التحقيقات لا تتعلق فعليا بالتدخلات بقدر ما تتعلق بصدمة التعرض لتأثيرات كانت قاصرة على خصوم أمريكا وبريطانيا.
فيما يتعلق بالقضية الأساسية، وهو نشر وترويج الأخبار المزيفة على فيس بوك، فكل ما يمكن أن يحدث مجرد وعود من مارك زوكربيرج أو مسؤولى فيس بوك بمحاولة وقف الأخبار المزيفة، لكن هذه الوعود غير قابلة للتحقق فى ظل وجود عشرات الملايين من المواد تضخ يوميا أكثر من نصفها يصعب التحقق منها، ربما تكون النتائج هى تراجع درجة التأثير، أو ما كشفته استطلاعات الرأى عن تراجع المصداقية، فيما يتعلق بالأخبار والمعلومات على فيس بوك، لكن هذا لا يعنى التوقف عن استعمال الموقع، الذى يستخدمه اثنان من بين كل 7 على الأرض، ويمثل مصدرا رئيسيا لمستهلكى الأخبار فى العالم.
كل ما يمكن توقعه أن يتراجع تأثير فيس بوك، فيما يتعلق بالسياسة، وهو ما حدث بالفعل خلال العامين الأخيرين بنسبة تقترب من الثلث عن السابق، ففى حين كانت تأثيرات حملات دعائية فيما يتعلق بسوريا قادرة على الحشد، تراجعت بعد الكشف عن أنها حملات ممولة وموجهة وتستخدم تقارير وصورا وفيديوهات مزيفة، لم تحقق نجاحا مثلما جرى قبل 5 أعوام، ظهرت شكوك كبيرة فيما تم عرضه على العكس مما حدث فى السابق، وإن كانت بالفعل منصات للتقارير والمعلومات المفبركة والحملات الدعائية التى تستهدف أشخاصا ودولا، لكنها حملات لم تعد قادرة على التأثير كالسابق.
وكل هذا يشير إلى أن مواقع التواصل تستمر كمنصات أساسية لها ميزات كثيرة أيضا، تفقد جزءا من سحرها الخاص، إن كانت تظل قادرة على جذب المستخدمين، وقد تكون فى سبيلها للاستقرار كأدوات تواصل أكثر منها أدوات تأثير.