عندما قرأت خبر استشهاد الرائد مصطفى حمدون، ضابط الأمن المركزى بمحافظة أسيوط، أصابنى حزن غريب، وظل الاسم عالقًا فى ذهنى طوال الوقت، أقول لنفسى «هذه ليست المرة الأولى التى أسمع فيها هذا الاسم» وعندما أبصرت صورته قلت لنفسى «ولا المرة الأولى التى أراه فيها»، وعندما اتصل بى أخى ليقول بأن صديق قديم له استشهد قاطعته سائلا «مصطفى حمدون ؟».
ظهر مصطفى حمدون فى كلية التجارة جامعة أسيوط، فى بداية الألفية الجديدة كان صديقا لأخى، موجودا دائما مع مجموعة من الرفاق الطيبين القادمين من قرى أسيوط، لكن كان له هدف آخر غير كلية التجارة هو دخول كلية الشرطة، وسرعان ما تحقق حلمه فغادر التجارة إلى الشرطة.
هل رأيته فى الفترة القصيرة التى قضاها فى الجامعة، هل سلمت عليه مرة وتنبهت إلى ابتسامته الخجلى؟ فى الحقيقة لا تسعفنى الذاكرة فى ذلك، لكننى أشعر بأن ذلك حدث، أو لعل طلته الطيبة التى تشبه كل الحالمين فى الصعيد المتفانين فى عملهم هى التى تقول لى ذلك.
استشهاد مصطفى حمدون، خسارة لأشياء كثيرة فى الصعيد، خسارة لكل الراغبين فى تحقيق أحلامهم، خسارة لجيل فى بدايات الثلاثينات لكنه يشعر بأن أيامه تتهرب منه فجأة، وهو خسارة لكل القابضين على محبة الوطن بأيديهم القوية.
استشهاد مصطفى حمدون دليل على أشياء صعبة لا تزال تنهش الجنوب الحزين، فظروف الاستشهاد التى جاءت لفض اشتباك نارى بين عائلتين فى أسيوط يقول لك بأن الجهل لا يزال يفرض سطوته على تلك القرى التى كنا نراهن فيها على الأجيال الجديدة، لكنها هاهى تقتل الأجيال الجديدة وأحلامها، فهناك لا يزال المجد للبندقية والكلمة العالية المزعجة.
نعم فتح استشهاد مصطفى حمدون جرحًا كبيرًا وصار يصيبنا الهم كلما فكرنا فى أسيوط التى كانت جامعتها هى الأولى فى الجنوب كله، لكنها للأسف غير قادرة حتى الآن على التأثير على طباع الناس وسلوكهم، صارت مجرد مرحلة يمر بها الطلاب الذين حققوا درجات فى الثانوية العامة تجاوزت الخمسين فى المائة، ثم يعودون إلى عائلاتهم فيجدون الأسلحة والنعرة الكاذبة والسير وراء الثأر والحكايات القديمة كلها. رحم الله مصطفى حمدون، الذى مر على حياتنا طيفًا جميلًا، ثم تركنا ننعى طيبته وحلمه ونعزى أهله وأصدقاءه.