اطلعت، مؤخرا، على كتاب مميز فى تاريخ الثقافة الإنسانية هو «قصة الفن» للمؤرخ الإنجليزى أرنست جومبرتش الذى صدرت ترجمته العربية عن هيئة البحرين للثقافة والآثار، وقام بها عارف حديفة، وهو فى الحقيقة سفر كبير حافل برصد وتحليل نشأة الفن واستمراره فى العالم، وهو كتاب يستحق القراءة والاطلاع.
المهم أن هذا الكتاب يتوقف كثيرا عند الحضارة المصرية القديمة، ويقول إن كان الإغريق هم الذين علموا أوروبا الفن، فإنهم، أى الإغريق، قد تعلموه من المصريين القدماء، وأن الفن المصرى القديم هو الوحيد الذى يتيح لنا الحديث عن عملية مستمرة متحدية للزمن بالمعنى الحقيقى.
نقطة أخرى مهمة قالها الكتاب تتعلق بإنسانية الفن المصرى، فأرنست جومبرتش، وهو بالمناسبة إنجليزى الجنسية نمساوى المولد، وكتابه «قصة الفن» صدر فى 1950، لكن ترجمته العربية صدرت مؤخرا، منذ شهور قليلة، هذا الرجل يكشف جانبا جميلا فى الفن المصرى القديم، يقول إننا لو لاحظنا نجد أن الفن المصرى كان يركز على ما بعد الموت، وكان مشغولا بالرسم على جدران القبور، وهذه عملية استبدالية يفهمها من يعرف أنه فى العصور الأكثر قدما كان الرجل العظيم عندما يموت يدفن معه ما يملكه من عبيد ونساء وغير ذلك يموتون بالمعنى الحرفى معه ويدفنون فى مقبرته كى يؤنسوا وحدته، لكن الإنسانية المصرية استعاضت عن ذلك بالفن، فالرسومات الموجودة على الجدران هى التى تؤنس الميت وهى التى ستدب بها الحياة مرة أخرى، لذا لا داعى لقتل الآخرين.
أقول هذه هى النقطة التى حفظت حضارة مصر طوال السنوات الماضية، الإنسانية، فالتاريخ المصرى القديم لا يسجل قرابين بشرية، مثلما اكتشفوا فى دولة بيرو منذ أيام قليلة، فهناك كانت بعض رفات 147 طفلا تتراوح أعمار ما بين 9 سنوات و14 عاما ذبحوا فى يوم واحد وقدمت قلوبهم قرابين لآلهة بدائية، وطبعا لم يحدث ذلك فى حضارة المصريين، لأنهم أدركوا قيمة الإنسان وقيمة الفن.
وفى رأيى إن الإنسان الذى يعمل عقله لدرجة أن يعرف أن الآلهة ليست دموية، وأنها لا تقتات على لحومنا ودمائنا، يستحق أن يبنى حضارة تتحدى الجميع، ويظل الآخرون يحكون وينبهرون بها كل يوم.
وطبعا كثيرة هى الكتب التى تكشف جمال مصر القديمة ودورها فى حفظ العالم واستمراره، وتعليمه أن الحضارة هى بالإعمار وليس بفناء النفس أو الآخرين، أتمنى من وزارة التربية والتعليم الإشارة إليها فى مناهجها أو حتى تبسيطها للطلبة.