لمّا كانت "العدالة الاجتماعية" فى الإسلام مفهوماً أوسع من سياسة المال، فقد آن الأوان بعد أن كنا قد حددنا طبيعتها ورسمنا أبعادها فى مقالات سابقة، أن نبحث فى سياسة المال، ونظرية الملكية فى الإسلام.
يسير الدين الإسلامى فى "سياسة المال" على هدى فكرته الشاملة فى تحقيق معنى العبودية لله وحده، فيخضع تداول المال لشرع الله، هذا الشرع الكفيل بتحقيق مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع فى وقت واحد.
فحق الملكية الفردية للمال يقره الإسلام، وذلك بوسائل التملك المشروعة التى سيرد بينها إلى الحق، ويرتب على ذلك نتائجه الطبيعية فى حفظ هذا الحق وصيانته له عن أى سرقة أو اختلاس وبأية طريقة من الطرق، أو المصادرة بدون ضرورة عامة مع التعويض المجزى الذى لا غبن فيه. كما يترتب على الملكية نتائج أخرى، من حيث التصرف، وتقرير الملكية فى الاسلام يحقق العدالة والتكافؤ بين الجهل والجزاء.
هذا وحق الملكية الفردية يتفق مع مصلحة الجماعة والمجتمع ككل، وذلك بتزويد الفرد بحوافز مجزية تجعله يبذل أقصى جهد لتنمية مستوى معيشته، وهو ما يمكن الفرد من الاستقلال الشخصى ويجعله قادراً على الوقوف فى وجه الفساد، وإن جاء من الحكم أو السلطة، وإسداء النصح لهما، دون خوف من قطع الرزق لو كان لديه تلك الحرية والاستقلال غى عمله.
ولمّا كان العدل أحد أكبر قواعد الدين الاسلامى بدلالة الآيات البينات التالية: "إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ" (النحل 90). "وإذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ" (النساء 58). فإن العدالة حسب المفهوم الإسلامى ولا أعتقد أن دين سماوى يخالف ذلك الفكر لا تتحقق دوماً على حساب الفرد فهى للفرد كما هى للجماعة، إذا سلكنا فيها سبيلاً وسطاً وحققنا العدالة فى جميع صورها وأشكالها فى الحياة. وحيث يرى الإسلام بأن تحطيم الحوافز الطبيعية المعقولة لا ينتج خيراً للفرد أو للمجتمع، وسوء الظن فى الفطرة البشرية هو الذى يعين طريقاً واحداً للعدالة بشكل عام، وبتحطيم تلك الحوافز الفردية والوقوف فى وجهها.
لذلك يمكن القول بأن احترام الشخصية الإنسانية يقتضى أن ننظر إلى الإنسان نظرة أعمق وإلى قدراته الإنتاجية والإبداعية بصورة أعمق وأكثر إدراكاً لهذا الكائن الذى فضله الله عز وجل عن كل المخلوقات، وأن نستوعب طبيعة هذه النفس البشرية وأصالة فطرتها، وتأصل جذورها.
وفى الختام أكثر الإسلام فى تقريره لحق الإرث والتوريث، إنما يتماشى مع هذه الفطرة الإنسانية، كما يتماشى مع العدالة الاجتماعية أيضا (لصالح المجتمع ككل)، ومع مصلحة الأجيال المتعاقبة فى حدود النظرة الشاملة التى لا تضع الحواجز بين الجيل والأجيال من بنى الإنسان، كما أن حق الإرث وسيلة من وسائل تفتيت الثروة وإزالة تراكمها ومنع تضخمها فى يد فرد أو مجموعة بعينها حتى يعم الخير والرخاء على المجتمع كله دون تحديد شريحة بعينها حتى لا يكون هناك فوارق كبيرة بين طبقات العائلة الواحدة أو فئات المجتمع المختلفة وهذا هو عين العدل الاجتماعى.
* أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة.