صرخات المخاض تملأ أذنى..
يرتعش قلبى وتضيق شرايينى على حالى.. فلا أقوى على التنفس..
للمرة الرابعة ستزرق «مريانا» بطفل وأنا بلا ضهر ولا سند..
تنادينى العدرا فى منامى «اصبرى فالغد أفضل»..
عشر سنوات صابرة وخطوط الزمن تحفر بمخالبها على وجهى حروف نهايتى، مريانا لا تذهب إلى الكنيسة إلا فى الأعياد والرب رزقها أربعا من الأبناء..
وأنا لا أترك قداسا ولا يوم أحد إلا كنت بين يدى يسوع..
رافقتها إلى المستشفى فهى زوجة أخى وابنة خالتى، لتضع مولودها الرابع..
أناتها المتواصلة ترهقنى تمزق داخلى كل مشاعر الأمومة التى فقدتها، فأكاد أخنقها بكلتا يدى فتخذلنى إرادتى الضعيفة..
طالما كنت مسكينة، هكذا كانت أمى وزوجى وأخوتى يطلقون على
«بولا المسكينة»..
لا أحد يعرف كيف تكبر كراهيتى لمريانا وأولادها.. فملامحى ترتسم عليها علامات الطيبة والهدوء..
وما خفى كان أعظم!!
لكن «ديانا» ابنة مريانا ذات العشر سنوات وحدها تستطيع قراءة ما يدور فى أعماقى، ليس لأنها مكشوف عنها الحجاب، لكنها تخاف النظر فى عينى، تقول لوالدتها كم ترعبنى نظرات العمة بولا..
لم يصدقها أحد.. لم يلتفت لحدسها أحد..
حاولت كثيرا استقطاب ديانا إلى معسكرى مثل أخويها.. جربت الحلوى والشيكولاتة.. لكن سنواتها العشر لم تعد تغريها..
اشتريت لها فستانا مرمرياً تلمع وروده ذهبا..
فيسقط خوفها منى شيئا فشيئا..
ترتدى الفستان فتكون أجمل ما رأيت..
تشرق ابتسامتها وتقبل علىّ ويداها مفتوحتان، لتحتضنى بملء براءتها فتسرى محبتها فى قلبى بلا وعى منى، منذ ذلك اليوم وكلانا لا يترك الآخر حتى أنها جاءت لتؤنس وحدتى فى أيام سفر زوجى إلى سفاجا لارتباطه بالعمل هناك..
بدأت خيوط الكراهية داخلى تتلاشى منذ دخلت ديانا إلى قلبى وحياتى..
فى لحظة صفاء بينى وبينها رجوتها أن تنادينى ماما..
لا أدرى لماذا طلبت منها ذلك الطلب رغم أن والدتها مازالت على قيد الحياة، ربما لأننى شعرت أنها ابنتى وأن خوفى عليها يفوق حتى حب واهتمام مريانا،
وبطفولة متناهية قالتها فى إحدى إمسياتنا «ماما بولا» ونظرات مبتهجة تملأ عينيها، وبخبث فطرى راقبت رد فعلى تجاه كلمتها فلم أتمالك نفسى من البكاء فاحتضنتها وسلمت لها قلبى تملكه وتعبث به كيفما شاءت، حتى جاء اليوم الذى حاولت مريانا التفريق بينى وبين ابنتى!!
ديانا ابنتى!!
فى المستشفى جاءت ديانا لترى أختها المولودة توا، كنت إلى جوار الرضيعة وبحركة لا إرادية جريت ديانا على وقبلتنى، لأنها لم ترنى منذ يومين، وطبعت قبلة على جبين أختها ونسيت أنها لم تسلم على والدتها.. وقتها قرأت فى نظرات مريانا غضبا يتفجر فى خلايا وجهها الأبيض، فينقلب لونه إلى الزرقة الداكنة..
فشددت على يدى ديانا لتدرك ما اقترفته، فانطلقت إلى أمها تحتضنها وتقبل يدها وتدللها فسرت غيرة فى قلبى لكننى قاومتها..
وبلا قصد وجهت ديانا حديثها المملوء مرحا إلىّ «تعرفى يا ماما بولا» لأول مرة تسمع مريانا هذا اللقب من ابنتها لى..
فصمتت مريانا لكنى استشعرت خطرا حاصرنى بكل عنف وأيقنت أنى فقدت ابنتى..
منذ ذلك اليوم لم أر ديانا..
ماتت ابنتى..