فى تاريخ الكتابة الطويل كان الأسلوب الساخر حاضرا بقوة، وقائما بدوره فى نقد المجتمع وتحليله والوقوف على مشكلاته المتعددة، ويعتبر الكاتب الكبير محمد منير امتدادا لجيل الكبار الذين فهموا هذا الفن وعرفوا ما يمكن أن يقدمه من متعة ومن فكر، وكتابه «وقائع مسروق بن مسروق» يحكى تاريخ القهر الذى يتعرض له قطاع كبير فى المجتمع المصرى، والحكمة التى يخلص إليها «منير» تمثلت فى جملة «عش واعمل باجتهاد وكأنك مش مسروق.. واعلم أنك فى النهاية حتما مسروق مسروق مسروق» هكذا تكلم الجد «مسروق» الكبير قبل موته مانحا العهد للحفيد «مسروق»، كى يحافظ على وضع العائلة وتاريخها وحكمتها.
فـ«مسروق» بطل الحكايات لا يملك لاستمرار حياته سوى أن يؤمن بأن «قضا أحسن من قضا»، وأن ما يحدث له من قهر ومعوقات وضياع حق ومعاناة هى أمور طبيعية، وأنها ليست الأسوأ الذى يمكن أن يلاقيه فى هذا العالم، بل الأصعب منها أنه يؤمن بأن كونه مسروقا هو قدره فى الحياة وعهد أخذه عن أسلافه المسروقين عبر العصور والأزمنة المختلفة، وأن عليه أن يؤدى دوره كاملا للنهاية.
وفى «وقائع مسروق» يحكى محمد منير قصة الوطن المنهوب من قبل ثورة 25 يناير مرورا بالثورة وما بعدها، عندما يكتشف المواطن البسيط ألا شىء حدث ولا تغيير أصاب الحياة، فالوجوه نفسها حاضرة فى كل الفترات ولصوص القوت يملؤون الطرقات والاتفاقات المسمومة هى أصل السياسة قبل الثورة وبعدها، لا شىء تغير سوى زيادة فى عدد الضائعين والمسروقين.
وهنا يقدم محمد منير عالما متكاملا بكل أطرافه من سياسيين ورجال دين ورجال أعمال وفقراء، ولكل فئة طريقة فى «حب الوطن» هم ينهبونها ويسرقون رزقها و«مسروق» يشعر بالذنب حتى أنه يكاد يصدق ما قاله عنه الصول بلال «هناك مؤامرة عملها العميل مسروق»، حتى أن المسيحى أبانوب المنهوب عندما اعترض على شىء قال له الأنبا بشندى «عاوز إيه يا منهوب دول أولى الأمر لازم نطيعهم.. وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم».
يعرف محمد منير كيفية كتابة الجملة الساخرة، ومن قبلها يعرف الموقف الذى يفجر هذه السخرية، مستفيدا من خبراته الحياتية وروحه المرحة المتميز بها، فهو يعرف مواقف الألم التى يعجز فيها العقل عن استيعاب المنطق، فيضطر الإنسان للسخرية من نفسه ومن عالمه المحيط به، لكنه مع كل ذلك لا يضيع تماما، ففى لحظة وعى شاملة يقول مسروق بن مسروق موجها خطابه للجميع «الموقف المحترم نابع من ذاتى وليس من رؤيتهم».