اقتحمت سلطات الأمن مقر جريدة «زمان» التركية التى تصدر بالعربية والإنجليزية، وتعتبر الصحيفة الأكثر توزيعًا فى البلاد، إذ توزع أكثر من مليون نسخة، وكانت الصحيفة التى تعبر عن الحركة الاجتماعية لتيار الخدمة قد تعرضت من قبل للاقتحام، وسجن رئيس تحريرها، أكرم دومانللى، بيد أنه قد أفرج عنه بحكم قضائى.
ويوم الجمعة الماضى صدر قرار إدارى من المدعى العام التركى بالاستيلاء على صحيفة «زمان» التركية من قبل أجهزة الدولة حتى تخرس الأصوات التى تعارض ممارسات «أردوغان» وحزب العدالة والتنمية فى الحكم.. استطاع العاملون فى «زمان» أن يتحدوا النظام السياسى، ويصدروا العدد الأخير من الجريدة يوم السبت، وفى هذا العدد تحدثت عناوين الصحيفة عن «يوم أسود فى تاريخ الصحافة فى تركيا»، كما اعتبر اقتحام الصحيفة وبسط يد الدولة عليها «يوم عار على حرية الصحافة فى تركيا».
وذهب وصاة الدولة للسطو على الجريدة مدججين بالسلاح، واقتحموا مبنى الجريدة بالقوة، وحين تجمع المحتجون أمام مقر الجريدة بالآلاف ومعهم برلمانيون معترضون على قرار إغلاق الجريدة باعتباره غير قانونى، تم تفريقهم بالغاز المسيل للدموع، كما تم ضربهم بلا رحمة ومنهم نساء، وعلى غلاف العدد الأخير المحبر باللون الأسود- بعد الحكم بمصادرتها- كتبت عبارة «تعليق الدستور»، لأن الدستور والقوانين والمعاهدات الدولية تضمن حرية التعبير بيد أنها لا تحترم. وكنت كتبت أكثر من مرة عن ظاهرة تحول العدالة والتنمية من أيديولوجية «الديمقراطية المحافظة» إلى «الديمقراطية التسلطية» التى تقوم على إسكات الأصوات المعارضة، واتهامها بأنها كيان موازٍ، وأنها دولة داخل الدولة، كما هو الحال مع حركة «الخدمة» التى يقودها المفكر والداعية التركى فتح الله كولن. ويشير أكرم دومانللى، رئيس تحرير جريدة «زمان»، إلى أنه وجهت إليه تهمة الانضمام إلى كيان إرهابى حين تم اعتقاله، وهذه التهمة هى تهمة واهية لا أساس لها من الصحة.
وحالة حرية الصحافة والتعبير والإعلام فى تركيا متردية، ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى يقتحم فيها الجنود مقرات محطات تليفزيونية فقد هوجمت أمام عدسات التليفزيون قناتا «بوجون» و«قنال ترك» التابعتين أيضًا لجماعة فتح الله كولن، كما تم اقتحام تليفزيون «سمانيلو» وحبس صحفييه والقبض على مديره، وهناك تغيير فى قوانين مراقبة الإنترنت التى تتيح التعامل بخشونة مع مواده ومستخدميه إذا تعارضت مع ما تريده السلطة.
كنت واحدًا من أكثر من كتبوا عن النموذج التركى الذى قدمه حزب العدالة والتنمية وأيديولوجيته «الديمقراطية المحافظة»، بيد أنه ومع مراقبتى لما يجرى فى تركيا، وانتقال «أردوغان» من موقع رئيس الوزراء ليترشح للرئاسة كما فعل «بوتين»، تحدثت عن تهذيب الديمقراطية التركية حين احتجت الجماهير بقوة فى ميدان «تقسيم» ضد مشروع «أردوغان» بإزالة حديقة «جيزى» لصالح مشروع تجارى، وحين لم يحصل «أردوغان» فى الانتخابات الرئاسية على النسبة التى تمكنه من المضى قُدمًا فى تنفيذ مشروعه بتغيير الدستور التركى من البرلمانى إلى الرئاسى، وحين مُنى حزب العدالة والتنمية بضربة موجعة فى انتخابات يونيو العام الماضى حين لم يحصل على أغلبية تمكنه من الحكم وحده، ثم استعاد أغلبيته بالكاد حين جرى اللعب على مشاعر الخوف عند المواطن التركى فى انتخابات أغسطس التى تلتها.
تواجه تركيا تحديات إقليمية وأمنية، بيد أن قدرتها على التخلص من المشروع الأتوقراطى التسلطى لما أطلق عليه «أردوغان الثانى»، المعادى للتعبير وحرية الرأى والصحافة ومراقبة الإنترنت ونشطاء السوشيال ميديا، يمثل أكبر التحديات التى تواجهها، محاولة الهيمنة على القضاء والجامعات ومجالسها، وإسكات الأصوات المعارضة يشيران إلى أن ديمقراطية تركيا فى مأزق يجب أن تواجهه بالتكيف مع معطيات العصر، بعيدًا عن روح «الباديشاه» العثمانى الذى يتمثله اليوم رئيسها «أردوغان».