ينتظر متأففا فى طابور طويل من السيارات ليدخل جراج أحد المولات الكبيرة فى القاهرة..
يلمحها وهى تغادر سيارتها التى تسبقه بأربع سيارات..
عيناها الواسعتان تقتنص قلبه من بين ضلوعه وتضعه بين راحتيها..
ضحكتها المشرقة تأخذان ما تبقى فيه من روح ترن ابتسامتها فى أذنيه، وقد تسمرت عيناه على ثغرها الباسم..
فجأة ينزل من سيارته ويتركها لصديقه يخطو خطوات متوترة يذرف عرقا من كل جسده تتوقف أمام الأسانسير بشحمها ولحمها، لا يصدق نفسه هل هذه حقيقة؟!
يمد يده يحاول أن يلمس شعرها الطويل الذى ينسدل على ظهرها فتتحرك فجأة لأن هاتفها المحمول قد رن..
فتنظر فى حقيبتها بحثا عنه إلا أن دقات الجرس قد توقفت
يصل الأسانسير فتتقدم بلا التفاتة منها
ينطلق مهرولا وراءها، وكأنه يسير مسلوب الإرادة
تنظر إليه بطرف عينيها فقد لاحظت اندفاعه وراءها ونظراته الهائمة التى لمست بداخلها ارتعاشة فى القلب
تبتسم ابتسامة ذات معنى قد يراها البعض ابتسامة صفراء أما هى فتراها مجرد ثقة بالنفس..
كم من الرجال كانوا متيمين بجمالها!!
ليس الوحيد لكنه يبدو مختلفا بين الكثيرين فهى تسمع نبضات قلبه المتلاحقه فتزداد ابتسامتها اتساعا..
تشعر من هيئته أنه ليس مصريا.. يا ترى ما هى جنسيته؟
كانت لها صديقة كويتية تعيش فى مصر وكانت تحبها كثيرا..
هو لا يراها لكنه يشم رائحتها التى تفيض وتملأ المكان..
ليتنى أستطيع التعرف عليها..
ملامحها الجادة وانشغالها بالموبايل ونظرتها للساعة فى كل ثانية تدل على موعد ينتظرها..
وربما يكون هذا الموعد مع خطيبها أو من ترتبط به؟؟
توقف الأسانسير يخرجنى من تساؤلاتى ويجعلنى أصمت لحظات لأفكر إلى أى طريق تأخدنى قدماى؟؟
بلا تردد أجدنى أسير فى خطاها أتلكأ فى مشيتى..
حتى لا أبدو لها كالمتصلص أو الملاحق لخطواتها..
تتوقف أمام العديد من المحلات..
تدخل وتخرج محملة بالحقائب..
تذكرنى بنسائنا فى الكويت يعشقن التسوق..
فالمرأة فى كل مكان هى نفس المرأة أشد ما يأسر فؤادها شيئان كلام الغزل.. وعشق الشراء ولهفة الامتلاك.
لا أعرف هل اقترب منها وأتعرف عليها؟!
أم أنها ستصدنى خاصة عندما تعرف أننى كويتى الجنسية فكثير من الفتيات يتحفظن عندما يتحدث معهن شاب ليس من بلادهن..
ألمح من بعيد إحدى صديقاتها تدنو منها متهللة الأسارير وفتاتى تشير بيديها لكى تدخل ورائها إلى محل الملابس..
أراى صديقتها قد ركزت على هيئتى وبدأت تتفحصنى وتبتسم وترنو من فتاتى وتلقى على مسامعها عبارات مصحوبة بضحكات عالية، تبدو لى كلمات استحسان..
أو ربما استهزاء؟!
أدركت أنها لاحظتنى!!
أشعر أن الزمن قد عاد بى إلى أكثر من عشر سنوات عندما كنت فى الخامسه عشرة من عمرى..
نفس توتر وارتباك المراهقين
كم كنت صغيرا أمام نفسى.. تافه أيما تفاهة
فما عهدت بنفسى الانسياق وراء مشاعر فجائية تنقلنى من عداد الرجال إلى مجرد صبى يسعى وراء فتاة صغيرة جميلة ليتعرف عليها..
لا.. أبدا
فدقات قلبى التى تتفجر بين ضلوعى ليست مجرد وهم
وكيانى الذى يهتز كلما مر طيفها أمام عينى لم أشعر به من قبل
كل هذه الأحاسيس ليست مجرد تطفل لكنها حب جارف غرقت روحى فيه حتى تشبعت
تلبستنى شجاعة مفرطة تقدمت نحوها بخطى ثابتة مددت يدى إليها ركزت كل محبتى فى مقلتى وقلت لها:
اسمى زياد من الكويت تتجوزينى
اصفرت بشرتها البيضاء واحمرت عيناها العسليتان وضيقتهما على كلماتى المباغتة: ماذا تريد؟
ارتبكت..
فمدت يدها بدون تفكير: أنا هنادى مصرية..
وبأحب الكويت أوى
خمس ساعات متواصلة تحكى هنادى ويسمع زياد
ويحكى زياد وتنصت هنادى..
وكأن لقاءهما مرتبا من قبل، لم تعتذر هنادى لصديقتها أنها تركتها ورحلت معه..
مرت الساعات عذبة ضحوكة.. وحكايات مسترسلة بلا توقف..
لكن الأوقات الجميلة لابد لها من نهايه..
تركته على موعد قريب.. استحلفها أن يكون لقاءهم غدا
فاعتذرت وفى عينيها الدموع فغدا ستذهب مع والدتها للطبيب
فلمعت فى عينى زياد فكرة مجنونة..
ولما لا يرافقهم للطبيب ويطلب يديها من والدتها
لم يترك لهنادى اختيار؟!
قلبها يرقص ويتمايل ولكنها تتوقف فجأة لأن والدتها ستعارض الزواج فهى ابنتها الوحيدة ولن تقبل أن تتزوج وتسافر..
تركته.. والقلق يقتلها فقصة حبها الجنونى لن يكتب لها النجاح؟؟
تركها وقلبه ملىء بفيض من المشاعر يحلم بالغد إلا أن صورة ابنه عمه أخرجته من أحلامه الوردية وهى ترتدى خاتم خطبتها منه.. مايزال معلقا فى رقبته..
تلك الفتاة الملائكية الذى قرر أن يتزوجها إرضاء لأبيه لكن القدر وضعه فى اختبار قاس عندما أصيبت فى حادث سيارة وبات مستحيلا أن يتركها بعد أن أصبحت قعيدة الفراش..
رغم أنه لا يحمل بين ضلوعه إلا كل تقدير واحترام ومحبة أخويه لها..
إلا أن مذاق الحب شىء آخر..
عندما يتسلل إلى القلب فى غفلة منا فيحتل كل شرايينه ويسطو على خلاياه
وقتها نشعر أنه لا مفر.. إما الاستمرار فى الحب أو الموت!!
انتظرته فى الموعد الذى اتفقا عليه..
فلم يأت ؟؟!!
انقباضة تسرى فى جسدها وكأنها ستسقط مغشيا عليها
والدتها تحدثها وتسألها عن المفأجاة التى ستقولها بعد زيارة الطبيب
فلم تنطق !!
حضر صديقا له فى الموعد ورسالة اعتذار منه
لم تقرأ كلماتها لكنها قطعتها إربا إربا لمحت كلمة واحدة «اضطررت للسفر»..
داست على فتات الرسالة بقدميها كأنها تنهى ماضيا لا تريد أن تتذكره.
ووجوم يرتسم على وجه زياد متخيلا صدمة حبيبته لكن الواجب والقدر يدفعنا إلى اختيار البر بقسمنا مهما كان الثمن حتى ولو كان قلبنا الذى لن يشعر بحب مثله مرة أخرى..