إنَّ الدين الإسلامى اعتبر الفرد أشبه شىء بالوكيل فى المال عن المجتمع، وأن حيازته له، إنما هى وظيفة أكثر منها امتلاكاً، وأن المال فى همومه، إنما هو حق للجماعة، والمجتمع مستخلف فيه عن الله الذى لا مالك لشىء سواه.
فالملكية الفردية تنشأ من بذل الفرد جهداً خاصاً لحيازة شىء معين من هذه الملكية العامة التى استخلف الله فيها جنس الإنسان، حيث جاء القرآن الكريم "وآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِى آتَاكُمْ" (النور 33). لذلك كان حق التصرف فى المال مرهوناً بالرشد وإحسان القيام بالوظيفة، فإذن الإمام هو وريث من لا وريث له، فهو مال الجماعة وظف فيه فرد، فلما انقطع خلفه عاد المال إلى مصدره.
وحكمة الإسلام فى ذلك واضحة، أن شعور الفرد بأنه مجرد موظف فى هذا المال الذى فى يده، والذى هو فى أصله ملك للمجتمع، يجعله يتقبل الفروض التى يضعها النظام على عاتقه، والقيود التى يحد بها تصرفاته. كما أن شعور المجتمع بحقه الأصيل فى مال الفرد يجعله يسنّ القوانين، ويرسى القواعد التى تحقق إعادة التوزيع بما يضمن "العدالة الاجتماعية الكاملة" فى الانتفاع بهذا المال لأن الهدف هو تمليك الفقراء قسطاً من المال لإعادة التوازن ذلك لأن تضخم الثروة وانحسارها فى جانب واحد يشكل خطراً على سلامة الأمة ولا يحقق السلام الاجتماعى.
ويرى الإسلام أن هناك نوعاً من الأموال التى لا يجوز للأفراد احتجازها، وقد حدد الرسول الكريم منها ثلاثة: الماء، والكلأ، والنار ذلك للانتفاع بها للمجتمع كلها على وجه المشاركة العامة أو الملكية العامة.
وامتد ذلك إلى فكرة المرافق العامة، وضروريات الحياة للمجتمع ككل، تختلف فى بيئة عن بيئة، وفى عصر عن عصر، لذلك جاز فيها القياس ضمن الحدود العامة للملكية، فلا يجوز استعمال حق التدويل بصورة تجرد الأفراد جميعاً عن ملكيتهم الخاصة، ليصبحوا بالتالى إجراء عند الدولة مثلاً، التى تملك عندئذ استرقاقهم واستذلال رقابهم، بأشد مما يملك الأفراد الأثرياء، لأنها تضم قوة المال إلى قوة السلطان، مثلما فعلت الشيوعية.
وعلى ما تقدم فخلاصة القول فى طبيعة الملكية الفردية فى الدين الإسلامى هى: أن الأصل فى الأمور هو أن المال للمجتمع فى عمومه، وأن الملكية الفردية فى الدين وظيفة ذات شروط وقيود، وأن بعض المال شائع لا حق لأحد فى امتلاكه، ينتفع به الجميع على وجه المشاركة، وأن جزءاً منه كذلك حق يرد إلى المجتمع ليرده على فئات معينة فيه، هى فى حاجة إليه، لصلاح حالها وحال المجتمع ككل، لتجنب الفقر والحرمان والفاقة فى جهة، مقابل الوفرة واليسر والترف فى جهة أخرى، حتى لا تثار الضغائن والأحقاد وتصبح الأمة فى مفسدة عظيمة.
* أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة .