أعلنت أمريكا الانسحاب من الاتفاق النووى الإيرانى لأنه لم يحقق لها السلام ووجب إعادة النظر فيه لأنه غير فاعل، ويمكن أن يتمكن الإيرانيون من خلاله من الحصول على أخطر الأسلحة النووية التى تهدد أمن الولايات المتحدة الأمريكية.. وبالتالى ستعود العقوبات الاقتصادية للتنفيذ إلى أقصى الحدود.
يبدو أن الادعاءات الإيرانية تؤكد استمرارها بالاعتماد على الميليشيات الإرهابية، مثل حزب الله فى لبنان وميليشيا الحوثى فى اليمن وفصائل الحشد الشعبى فى سوريا والعراق، لابتزاز العالم ولخلق واقع دولى متأرجح وقلق من جديد. فقد نجحت طهران، للأسف، فى إنشاء وتدريب وتسليح الميليشيات الإرهابية فى الكثير من المناطق واستثمرت الأموال الطائلة لتدريبها على حرب الشوارع واستعمال المؤامرات الطائفية وتنفيذ الاغتيالات السياسية.
وزير الخارجية محمد جواد ظريف خرج علينا بتصريحات حذر فيها قائلا: "الرد القاسى على انتهاك الاتفاق النووى مع القوى العالمية لن يسر أميركا"، ما يقصده ظريف هنا طبعا تهديد ووعيد من جديد ويكمن فى تحريك الميليشيات المسلحة الإرهابية الممولة من طهران، ستستمر فى خلق مناطق نزاع لتهديد المصالح الأميركية حول العالم، وبذلك ستكون الأيام المقبلة لها رد فعل على الأرض من إيران وحلفائها وذلك فى رأيى هو لخلط الأوراق فى المنطقة من خلال خلق واقع متوتر مهدد للاستقرار، وذلك لأنه بعد ساعات قليلة من الإعلان تصعّدت المواقف بضربة إسرائيلية استباقية على جنوب دمشق "منطقة الكسوة" تستهدف أرضا دمشقية تحمل قواعد إيرانية.
وكان لافتًا أن موقع "رجانيوز" التابع للحرس الثورى وجه انتقادات شديدة لروحانى، حيث اتهمه بـ"إهانة" الشعب، وقال إنه تراجع فى كلمته التى رد فيها على ترامب عن التهديدات التى أطلقها العديد من المسئولين بالانسحاب من الاتفاق وإعادة تخصيب اليورانيوم حتى مستوى 20%، ودعا إلى ضرورة إجراء مزيد من المشاورات مع القوى الدولية الأخرى التى تسعى إلى الحفاظ على الاتفاق النووى حتى بعد القرار الذى اتخذه الرئيس ترامب.
ووجد المتابعون للملف أن رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة اللواء محمد باقرى أعاد التشكيك فى جدوى الاتفاق النووى، مؤكدًا أنه "لم يحقق طموحات الشعب منذ البداية"، فيما قال القائد العام للجيش اللواء عبد الرحيم الموسوى إن "أكبر سيئة فى الاتفاق النووى أنه أضفى الشرعية على التفاوض مع الولايات المتحدة"، وهو ما يعكس تصاعد الاتجاه المناهض لسياسات روحانى فى الداخل على ضوء القرارات الأخيرة التى اتخذها الرئيس ترامب.
ولا شك أن هذا الانسحاب الأمريكى سوف يؤدى إلى إضعاف موقع الرئيس روحانى خلال الفترة المتبقية من ولايته الرئاسية الثانية، بشكل سوف يمكِّن المرشد الأعلى للجمهورية من ممارسة ضغوط أقوى عليه لمنعه من فتح الملفات الخلافية الأخرى، والإيعاز إلى المؤسسات النافذة فى الدولة لاتخاذ إجراءات تقيد من الخيارات المتاحة أمام الرئيس، على غرار السلطة القضائية التى اتخذت قرار حجب موقع "تلجرام" قبل أيام رغم المعارضة التى أبدتها الحكومة فى هذا السياق، باعتبار أن ذلك سوف يحرجها أمام القاعدة الشعبية المؤيدة لها.
ويعد الانسحاب الأمريكى ضربة قاضية فى وقت حرج للإيرانيين فى الداخل والخارج فهذا الاتفاق النووى النهائى المبرم بين إيران ومجموعة القوى الدولية (5+1)، فى يناير 2016، فيما يعرف بخطة العمل المشتركة الشاملة، كان مكسبًا اقتصاديًّا كبيرًا للجانب الإيرانى، حيث إن رفع العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها بموجب الاتفاق أدى إلى استعادة الصادرات الإيرانية لحصتها بالأسواق الدولية تدريجيًّا، وأضاف ميزة لجذب الاستثمارات الأجنبية فى المشروعات المختلفة أهمها بقطاع النفط والغاز الطبيعى.
ففى آخر شهر أبريل الماضى، ووفقا للتقديرات التى صدرت عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، سجلت صادرات النفط الإيرانية (النفط الخام ومكثفات الغاز الطبيعى) مستوى قياسيًّا جديدًا بكميات بلغت 2.83 مليون برميل، أى مرتين ونصف أكثر من مستواها قبل توقيع الاتفاق النووى النهائى البالغ وقتها مليون برميل يوميًّا، ويتزامن ذلك مع نمو إنتاج النفط بالبلاد بما يقدر بنحو 3.82 ملايين برميل يوميًّا، أى بزيادة حوالى مليون برميل قبل الاتفاق.
وتؤكد أن أسواق النفط العالمية أصبحت عاملا مشجِّعًا للمستهلكين على زيادة مشترياتهم من طهران، خاصة فى ظل جاذبية أسعار الخام الإيرانى، وقد زادت أوروبا من مشترياتها من النفط الإيرانى باضطراد لتستحوذ تقريبًا على ثلث صادرات إيران من النفط الخام، وبكميات بلغت أكثر من 700 ألف برميل يُوجَّه معظمها لتركيا وأسواق أخرى مثل فرنسا وإيطاليا واليونان وإسبانيا وغيرها من الدول. فيما كانت الأسواق الآسيوية فى الفترة الماضية الوجهة الرئيسية لصادرات النفط الإيرانى، حيث سيطرت على ما يتراوح بين 60 إلى 70% من الصادرات الإيرانية على نحو برزت فيه الصين كأكبر مشترٍ للنفط الإيرانى فى عام 2017، تلتها الهند، فيما جاء بين المشترين الرئيسيين الآخرين كوريا الجنوبية واليابان وتايوان وغيرها من الدول الآسيوية.
ولا تقتصر المكاسب المحققة على النفط فقط، وإنما امتدت للغاز الطبيعى أيضًا، حيث تجاوز إنتاج الخام نحو 850 مليون متر مكعب يوميًّا بالتوازى مع بدء تطوير إيران حقل غاز جنوب بارس ليصل إنتاجه إلى 550 مليون متر مكعب يوميًّا مقارنة بالمستويات السابقة البالغة 280 مليون متر مكعب، بما عزز من خطة إيران لتزويد بعض الدول المجاورة بالغاز الطبيعى وفى مقدمتها العراق، ما يجعل توقع رد فعل عالى وتصعيدى لأشكال من الصراع المباشرة وغير المباشرة أمنية وعسكرية نتيجة لهذا الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى الإيرانى. فهذا القرار بالقطع سيفرض عقوبات مشددة فى محاولة من امريكا للضغط على أذرع ايران فى المنطقة وهى ورقة لبنان وسوريا والعراق و اليمن ومن جانبها غالبا ستعمل طهران على تصعيد نزاعات طائفية فى هذه الدول.