على طول الزمان، آل بيت المصطفى هم منبع زاخر يمد البشرية بحوائجهم وييسر لهم عبور المسالك الصعبة، سواء قبل انتقالهم إلى الدار الآخرة أو بعد انتقالهم، فقبل انتقالهم إلى دار الآخرة يشاركون المحبين والمريدين همومهم ويقودونهم إلى بر الأمان ويمنحونهم بركاتهم التى منحها الله عز وجل لهم، وبعد الممات تتحول مقاماتهم الى روضة من رياض الجنة بها الراحة والسكينة التى يلجأ اليها كل عائل ومحب لهم، ومن آل البيت الذين أزخروا الحياة بكرامتهم، السيدة نفيسة رضى الله عنها وأرضاها بنت الحسن بن زيد الأبلح بن الحسن بن على بن أبى طالب كرم الله وجهه.
ولدت السيدة نفيسة رضى الله عنها فى مكة 11 ربيع الأول 145 هجرية، انتقل بها والدها إلى المدينة المنورة وهى فى الخامسة من عمرها، فكانت تذهب إلى المسجد النبوى وتسمع إلى مشايخه، وتتلقى الحديث والفقه من علمائه حتى لقبها الناس بنفيسة العلم قبل أن تصل اإلى سن الزواج، تقدم الكثير للزواج من نفيسة العلم إلى أن قبل والدها بزواجها بإسحاق المؤتمن بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب، وتزوجت السيدة نفيسة وأنجبت القاسم وأم كلثوم، وفى 26 رمضان 193 هجرية كرم الله أهل مصر بقدوم نفيسة العلم إليها وخرجوا لاستقبالها وأسرتها فى العريش، وما إن استقرت السيدة نفيسة بمصر حتى أصبح بيتها قبلة العلماء والمحبين لآل البيت، وازداد تزاحم الناس على بيتها فخافت أن يشغلها لقاء الناس عن عبادتها فخرجت عليهم قائلة: "كنت قد اعتزمت المقام عندكم، غير أنى امرأة ضعيفة وقد تكاثر الناس حولى فشغلونى عن أورادى وجمع زاد ميعادى، وقد زاد حنينى إلى روضة جدى"، حينها فزع الناس لقولها وناشدوها البقاء حتى تدخل والى مصر ووهبها دارا أكبر لا تضيق بزوارها .
وفى يوم من الأيام، شح النيل وجف منسوبه فذهب أهل مصر إلى السيدة نفيسة وقالوا لها إن منسوب النيل قد انخفض، فخلعت نفيسة العلم حجابها وطلبت من أهل مصر أن يلقوا به فى مياه النيل ففاض النيل، ومن هنا زاد تعلق المصريين تعلقا شديدا بالسيدة نفيسة حتى أصبحت "حبيبة المصريين".
أما عن صلاة الإمام الشافعى بها وصلاتها عليه، جاءت عندما أفاض الله على أهل مصر بنور جديد، عندما قدم الإمام الشافعى إلى مصر بعد خمس سنوات من قدوم السيدة نفيسة اليها،تعرض فى البداية إلى محنة مع العلماء عندما قالوا عليه هذا فقيه جاء من العراق، جاء إلى مصر ويقول إنه فقيه وتعلم العلم ومن تلاميذ الإمام مالك، حدث بينه وبين العلماء مشادات ومناظرات ولجأ البعض إلى اضطهاده لكن كانت السيدة نفيسة هى العون والسند له، وكان لها الفضل عليه وتعلم منها الكثير، دأب على زيارتها ويأخذ عنها الفقه والحديث ويقرأ عليها ويسألها فيما يستغلب عليه، فكان يمر عليها وهو فى طريقه إلى حلقات درسه فى مسجد الفسطاط وهو فى طريق عودته إلى داره كان يصلى بها صلاة التراويح خلال شهر رمضان الكريم فى بيتها،ولا يكف أن يسألها الدعاء كلما التقاها .
عندما اشتد المرض على الإمام الشافعى أرسل رسولا إلى السيدة نفيسة لكى تدعو له بالشفاء فقالت: "رحم الله الشافعى كان يحسن الوضوء"، فأيقن حينها الشافعى أنه سيلاقى ربه، فأوصى أن الذى سيصلى عليه هى السيدة نفيسة رضى الله عنها وأرضاها، وفى 204 هجريا صعدت روح الإمام الشافعى إلى بارئها، ومر المشيعون بجنازته على دار السيدة نفيسة لتصلى عليه، فصلت عليه تنفيذا لوصيته.
قضت السيدة نفيسة رضى الله عنها 16 عاما فى مصر حتى أصابها المرض فى شهر رجب سنة 208 من الهجرة، وجاء شهر رمضان وظل المرض يشتد ويقوى وأقعدها عن الحركة، فأحضروا لها الطبيب وأمرها بالإفطار فقالت: "واعجبا، منذ ثلاثين عاما أسأل الله تعالى أن ألقاه وأنا صائمة، أأفطر الآن، هذا لا يكون"، ثم راحت تقرأ من سورة الأنعام، حتى وصلت إلى قوله تعالى: "لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون"، لتكون آخر ما قرأت من كتاب الله وصعدت روحها الى باريها .