المشروع الأسرى الناجح بمثابة عمود فقرى لبناء حياة سليمة على جميع الأصعدة والجوانب المجتمعية، فكلما زاد الاستقرار الأسرى يزيد ذلك من أمن المجتمع، ويقلل من المشاكل الناجمة عن التفكك الأسرى، فالأطفال الذين يعيشون فى ظل عائلات يسودها العنف والتوتر وعدم الاستقرار الأسرى يميلون إلى العنف الاجتماعى، من منطلق أن العنف يولد عنفًا، ممّا ينتج عن ذلك جُملة من المشاكل الاجتماعية الخطيرة المتمثّلة فى الاعتداء على الآخرين أو العدوانية، والإقبال على الممنوعات، بما فيها المخدرات وغيرها.
وإذا لم تنتبه الأسر إلى خطورة هذا الأمر، وأن عليها مسؤولية جسيمة وخطيرة فى استقرار المجتمع والحفاظ عليه والنهوض به، فلن تكون العواقب جيدة، ولن نستطيع وقتها تدارك ما فات، أو القيام بأى عملية للإصلاح، فمحور الإصلاح هو الإنسان، ومجتمع بلا إنسان سوىّ مستقيم هو مجتمع لا قيمة له، وهو عبء على الإنسانية.
إن تكوين الأسر الجديدة الناجحة من شأنه أن يُنتج ويزيد من عدد الأفراد الصالحين القادرين على الإنتاج والتنمية، والمساهمة فى تغيير المجتمع للأفضل، حيث ينعكس ذلك إيجابًا على نموه وتطوره وتحقيق تنميته المستدامة، كما أن الأسرة التى ترعى أبناءها بشكل سليم، وتقدم لهم جميع حقوقهم فى الحياة الكريمة ومستلزماتها، والحق فى التعليم والترفيه واللعب، والاحترام والعطف، وغيرها، ينتج عنها أبناء لا يعانون من النقص والحرمان الذى يؤدّى إلى ظواهر خطيرة فى المجتمع، وكوارث تصعب إزالتها مع الأيام.
فالإسلام يعتبر الأسرة خطّ الدفاع الأول فى المجتمع، كما أنها اللّبنة الأساسية فى بنائه؛ فالأسرة إذا ما صلحت بتربية أطفالها تربية صحيحة فهذا يعنى صلاح المجتمع الإسلامى، وصلاح المجتمع الإسلامى يعنى نهوضه للقيام بواجباته ومسؤولياته الدينية والإنسانية. إن الأسرة فى الإسلام هى حاضنة المعانى الأخلاقية والقيم النبيلة؛ هى حاضنة معانى الرحمة والألفة والمودة والتناصح التى تسود بين أفرادها.
إن الأسرة فى الإسلام هى مدرسة تخريج الأجيال الملتزمة بقيم أمّتها ودينها، القادرة على الدّفاع عنها فى الملّمات والشدائد، ذلك بأنّ الوالدين فى الأسرة يزرعان فى أبنائهما باستمرار معانى البطولة والتضحية والفداء، ويعلمانهم واجبات المسلم تجاه أمته ودينه، ويوجهانهم إلى ما ينبغى فعله، والحفاظ عليهم، وما لا ينبغى، فأهمية الأسرة فى كونها المرشد الحقيقى والمرجع الأصيل للأجيال المقبلة، وإذا غيبت مظلة الأسرة لن نستطيع تحقيق كل ذلك، وسينشأ عن هذا الغياب أطفال مشردون، وجيل فاقد للوعى.
والأسرة فى الإسلام إذا تماسكت وتلاحمت توفّر فيها السّكن والطمأنينة النفسية للفرد؛ فالإنسان لا يطمئن باله ولا تهدأ جوارحه إلا حينما يأوى إلى أسرته التى توفّر له السّكينة والأمن والطمأنينة، فالأب تراه يعطف على أولاده ويحنّ عليهم، والأم كذلك تراها تقوم على رعاية شؤون أسرتها، والعناية بأفرادها من جميع النّواحى حتى تُوفر الراحة لهم، وكذلك الأبناء تراهم يشعرون بتعب والديهم من أجلهم فيبادلون ذلك بمشاعر المحبة والتقدير والامتنان، كما يتعاونون مع والديهم فى القيام بمهمّات الحياة ومسؤولياتها.