فى الصف الخامس الابتدائى، كنت على موعد مع نوع جديد من الكتابة ونوع مختلف من الخيال، حيث كان مقررا علينا قصة «عقلة الإصبع فى مدينة الشمع»، ورغم أن رأسى كان مستوعبا لكل درجات الخيال بسبب قراءتى ألف ليلة وليلة لكن الطريقة الموجهة للأطفال كنت فى حاجة للتعرف عليها.
وبعيدًا عن النصائح والأخلاق والقيم التى كانت تحتويها حكاية «عقلة الإصبع» وهى ضرورية بالمناسبة فى هذه المرحلة، خاصة أنها مغموسة فى الفن، إلا أن الأثر الأكبر الذى تركه «عقلة الإصبع» داخلى هو الإحساس ببشرية الخيال، لأننى كنت أرى حكايات ألف ليلة وليلة «مقدسة» لكننى الآن يمكننى إعادة صياغة أى شىء قرأته من قبل، أو حتى اختلاق حكاية جديدة.
المهم أن «عقلة الإصبع» صار حلال المشاكل بالنسبة لى، كلما تأزمت الأمور تحولت بقدرة قادر إلى عقلة الإصبع فأنفذ من الأبواب والشبابيك وكلما انتهيت عدت، صار الخيال هو الطريق الذى يقودنى لحياة أخرى موازية لتلك التى أعيشها فى الواقع، خاصة أننى فى هذه الفترة تعرفت على سلسلة «المكتبة الخضراء» وكانت بالنسبة لى فتح عظيم.
لدى شىء، ربما يراه الآخرون خطأ، هو أننى لا أعترف بتقسيم الكتابة حسب العمر، فأنا لا أزال أقرأ كتب الأطفال بنهم أكبر من الكتب التى تكتب لمن هم فى عمرى، وكلما زادت جرعة الخيال كان ذلك بالنسبة لى أفضل جدًا.
كان عقلة الإصبع يثير بيننا، الكثير من الأفكار، فالبعض يرون أنهم لو وجدوا طاقية الإخفاء سيتمكنون من فعل أشياء أكثر لا يستطيع عقلة الإصبع فعلها، لكنهم فى الوقت نفسه لا ينفون إعجابهم به، أنا فى الحقيقة كنت أخاف أن أتحول إلى عقلة إصبع، لأننى ربما لا أعرف طريق العودة مرة أخرى.
فى هذه المرحلة، كان الأطفال يبدأون دخول مرحلة جديدة، يودعون ماضيهم القريب، سيتركون الابتدائية، لذا ربما تحول الطفل الشقى إلى ولد هادئ الطباع نجد صعوبة فى إقناعه بأن يذهب معنا إلى الجزيرة كى نلعب الكرة، أو يحدث العكس، فنجد طفلًا خجولًا فقد براءته فجأة وصار مثيرًا للمتاعب لنفسه ولأسرته، يومها أرجعت كل ذلك إلى ما فعله عقلة الإصبع فى الجميع، فقد فتح أفق الخيال إلى ما لا نهاية وصار، على حد قول إبراهيم ابن أخى «كل واحد وخياله».