رمضان شهر عظيم وفرصة جليلة لاستحضار نعم الله علينا؛ للوفاء بحق شكرها، صيانة وحماية لها، انطلاقًا من قول الله عز وجل: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ».
ومن أهم هذه النعم التى تستحق الشكر، وأجلها نعمة الأولاد، فالله جعلهم زينة الحياة الدنيا «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»، كما عدهم نعمةً عظيمة «وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا»، وجعلهم قرة أعين «وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ».
وشكر هذه النعمة يكون بإحسان تربيتهم، والاهتمام بتأديبهم، وتعليمهم شؤون دينهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، فالبيت له دور كبير بالغ الأهمية فى إعداد الأبناء إعدادًا سليمًا نافعًا للبشرية، وديننا عامر، وسنتنا مليئة بما يجب به إحسان تربيتهم، وتقويم خُلُقهم، وتعديل سلوكهم.
علينا أن نتأمل حديث رسولنا «ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذى على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهى مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده، وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع مسؤول عن رعيته»، وعلينا أن نسأل أنفسنا ما الذى قمنا به تجاه هؤلاء الرعية؟ وأن نجعل هذا الحديث قاعدة من قواعد تربيتنا لأبنائنا، فالأسر اليوم فى أمس الحاجة إلى قواعد التربية على أصول دينية ثابتة تشد النفوس إلى عرى الإيمان الراسخ، فالمسؤولية الملقاة على عاتق الآباء والأمهات كبيرة جدًا وخطيرة جدًا؛ لأنها تتعلق ببناء رجال الغد الذين يتولون حماية الدين والحفاظ على الأوطان، وللأسف الشديد قد ضيَّعها الكثير منهم، فالولد أمانة فى عنق الوالدين يُسألان عنها، وقلبُه الطاهر جوهرةٌ نقية خاليةٌ، مستعدٌّ للتوجُّه به إلى أى جهة؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم - فى الحديث الصحيح: «كل مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو يمجِّسانه، أو ينصِّرانه».
فعلى الآباء مراجعة أنفسهم فى علاقاتهم مع أبنائهم، فالله خلقهم أصحاب فطر سليمة، خلقهم بقلوب مفطورة على محبَّة الولد، والاهتمامِ بأمره، ولولا ذلك لانقرض النوعُ الإنسانى من الأرض، ولما صبر الأبوان على رعاية أولادهما، ولنتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يُحِطْها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة».
يجب علينا أن نحاسب أنفسنا، وأن نتقى الله فى أبنائنا، الذين هم أمانة فى أعناقنا، وأن نراجع إيمانَنا، فالإيمان جذور تتغلغل فى القلب، وتمتد فروعها فى السلوك، وتبدو ثمراتها فى الأخلاق والمعاملات، وهو ما نفقده فى مجال تربيتنا لأولادنا.
ندعو الله فى هذا الشهر الكريم أن نرى أطفالنا وقد استقامتْ أخلاقُهم، وحسنت أحوالهم، وصلحت سرائرهم.