ضرب إعصار «مكونو» سلطنة عُمان وخلّف شهداء والعديد من المفقودين، إضافة إلى أضرار مادية بالغة لحقت بالبنية التحتية للبلاد، ويعتبر هذا الإعصار أعنف إعصار يضرب منطقة الخليج خلال عقود، مما ألحق أضراراً بالمبانى والأشجار فى العاصمة العمانية، مسقط، وغمر عدة طرق بمياه الفيضانات وأعاق الحركة الاقتصادية فى عمان.
إعصار «مكونو» الذى ضرب سلطنة عمان قبل أيام وامتد- وإن كان بدرجات أقل- إلى إيران، وعلى الرغم من أن فقدان إنسان واحد هو خسارة كبرى، فإن الأكيد أن الخسائر فى الأرواح فى عمان أقل مما توقعه الكثيرون لأسباب عدة، أهمها الاحتياط المبكر للإعصار من قبل السلطنة، والطريقة التى أدارت بها الأزمة.
لكن ما يعنينى هو كيفية تعامل المجتمع العمانى مع هذه الأزمة، فقد كان المواطن العمانى على قدر المسؤولية فى التعامل مع الأزمة بشكل إيجابى من خلال تقديم يد العون للأجهزة التنفيذية العمانية، ولم نشهد أو نسمع مواطناً «يسب» دولته لمجرد أن موظفاً تأخر أو تقاعس من وجهة نظره.
وجدنا المواطن العمانى يضع يده فى يد الأجهزة التى تعمل من أجله، ويعاونها ويقدم العون لأخيه العمانى من خلال التبرع، فالعمانيون رفضوا المساعدات الخارجية، وبدأوا بجمع المساعدات من المواطنين والمقيمين فى السلطنة فقط، وهذا القرار يعكس الحالة الجيدة التى يعيشها الاقتصاد العمانى، ويعكس عزة النفس والأنفة العمانية برفض المساعدات لأنهم ليسوا بحاجة لها، لكن القرار أحدث غصة فى نفوس كثيرين فى العالم وبالذات العربى، وتحديداً الخليجى منه، الذى أراد أن يعبر عن تضامنه، بتقديم التبرعات والمساعدات.
ونعود للمواطن العمانى الذى كان تبرعه من خلال جهات معينة تحددها الدولة حتى لا يستغلها البعض، إما لمكاسب مادية أو مكاسب سياسية للبعض على حساب الدولة وقت الأزمة، كما لم نجد مواطناً عمانياً هرول نحو شاشات الفضائيات ليدلى بدلوه كأحد أهم خبراء الأعاصير فى العالم.
وهنا نقف أمام الإعلام العمانى الذى أثبت أنه كان متفوقاً على نفسه بمتابعته المباشرة للحدث، وكانت صور الطوفان والفيضانات تُنْقل حية للمواطنين والمقيمين، والتعامل المباشر عنصر مهم من عناصر إشاعة الطمأنينة وانعكاس للثقة بالقدرة على التعامل مع الأزمة، كما أنه يقطع دابر الشائعات، ويمسك بزمام المبادرة، ويسيطر على المعلومة الحقيقية ليبثها للناس بدلاً من تركهم نهباً لوكالات «يقولون» للأنباء التى غالباً ما تثير الرعب والهلع، وتخلق حالة من الفوضى تتسبب فى زيادة النتائج الوخيمة للكارثة، فلم نضبط قناة عمانية تستضيف ما يدعون أنهم خبراء ويخرجون «للفتى وبث الشائعات» بدون علم ولا معلومة.
لم نر الفضائيات العمانية تستغل الفرصة لتصفية حساب مع الدولة والضغط عليها، بل وجدنا كل فضائيات عمان تنضم لعمل بث مباشر للحدث والالتزام بالبيانات الرسمية «رغم محاولة الـBBC ذلك، وحتى عندما قام موقعها بنشر خبر، وجاءت تعليقات المواطنين العمانيين «تفرح» رغم حزنها من حجم الكارثة الكبير، لكنها تفرح وطنياً فلم يتجاوز مواطن فى حق جهاز أو مسؤول أو بلده، بل أكد الجميع على الوقوف مع دولته ومؤازرتها فى محنتها، وقد حظيت عمان بتعاطف المجتمع الدولى، والبشر بطبيعتهم متعاطفون مع إخوتهم فى الإنسانية وقت الكوارث، وهنا لابد أن نتوقف لحظات ونسأل: ألم تقع أخطاء من موظفين أو مسؤولين أو تتأخر قرارات؟
بالتأكيد هذا حدث.. فنحن بشر ونتعامل مع أزمة وكارثة لا يمكن تحديد مداها وقوتها إلا بعد انتهائها، وصحيح أن الكوارث تحل بالدول من حيث لا تحتسب، ولكن الصحيح والثابت عبر الأرقام والحقائق أن الدول التى تحتاط وتتهيأ وتستعد للكوارث قبل وقوعها، يمكن أن تخفف من آثار تلك الكوارث والمصائب الطبيعية، وقد رأينا كيف أن أكبر الكوارث الطبيعية تحل بالدول المتقدمة، وغالباً ما تكون خسائرها- وبالذات البشرية- متدنية نسبياً، بينما نرى بعض الكوارث التى يمكن التخفيف من آثارها تعصف بالدول غير المهيأة وغير المستعدة للتعامل مع مصائب الدنيا.
لكن لم يركز الإعلام على الأخطاء وكأنه ينتظرها بل «يتصيدها» وعلى جانب آخر يتم تدارك أى خطأ والتعامل معه بسرعة، فعمان أثبتت بالتجربة القاسية هذه التى مرت بها أن إدارة الأزمات أصبحت فناً وعلماً قائماً بذاته، وقد تطور نتيجة تطور الخبرات البشرية، وتراكم عبر آلاف السنين خلال الكوارث من الزلازل والبراكين والحرائق والأعاصير والطوفان والسيول والفيضانات وغيرها، لكن أثبت العمانيون أنهم أداروا الأزمة بالعلم واستخدموا فنونه، واستخدموا أهم عناصر التعامل مع الأزمات، ألا وهو الاستعداد المبكر، وجمع المعلومات، والثقة فى القدرة على تجاوز الأزمة، والشفافية فى التعامل مع الحدث، وكانت النتيجة أن عمان قدمت فى إدارتها لأزمة «مكونو» نموذجاً فى المسؤولية، وفى القدرة على التعامل مع الأزمات سيحتذى مستقبلاً من قبل آخرين.
وها هو الأعصار «ينتهى وينتهى تأثيره» وبدأت الحياة تعود تدريجياً إلى سلطنة عمان، وبدأ الموظفون والعاملون فى القطاعين العام والخاص مباشرة أعمالهم بعد تعطيل العمل ليوم واحد، وقامت الجهات المسؤولة هناك بإزالة الأضرار الناجمة عن العاصفة، حيث تم تنظيف الطريق الرئيسى فى مسقط وهو شارع السلطان قابوس لإعادة الحركة المرورية إلى طبيعتها، رغم أن بعض الأماكن والمواقع الحيوية شهدت ازدحاماً بسبب وجود بعض مخلفات الإعصار، وكانت الشرطة العمانية قد حذرت المواطنين والمقيمين من أنها ستقوم بتوقيف «كل من يعرض حياته وحياة الآخرين للخطر تمهيداً لمساءلته قانونياً، وذلك بعد قيام عدد من الأشخاص بتصرفات تنم عن عدم الاكتراث»، حسب بيان الشرطة العمانية ولم نجد «ناشطاً» يطالب بحقوق فوضوية وتتبناها بعض المنابر الإعلامية.
وتم الإعلان عن إنهاء حالة التأهب التى بدأت قبل أيام وخفض مؤشر التحذير إلى اللون الأخضر، الذى يشير إلى عودة الأمور إلى وضعها الطبيعى، وهنا لابد أن نحيى المواطن العمانى الذى كان يملك «كيبورد» ولم يتجاوز فى حق بلده مستغلاً كارثة طبيعية لحقت ببلده.. كانت ومازالت قلوبنا كمصريين معلقة بعمان التى لم تقاطعنا وقت أن قاطعنا كل العرب، فتحية لهذا البلد العظيم، وتحية لهذا الشعب العظيم.. وحماك الله يا شعب عمان.