كلما انتهت الصلاة، رفع عمى البدرى أحمد عبدالمولى يديه إلى السماء، بأقصى ما يستطيع، فتصبح ذراعاه ممدودتين على أشدهما، رافعا جسده فى استقامة، كأنه يحتضن حبيبًا و«يدعو» .
عاش البدرى أحمد عبدالمولى، يعتزل الناس، ولا يعتزلهم فى الوقت نفسه، قضى حياته بسيطا، لا يثير أزمة ولا يدفع الناس إلى مشكلة، ولم يتورط يوما فى «كراهية»، بل يمكن القول بأنه رجل أحب الله فأحبه الله.
منذ رأيناه وهو يقود سيارته لنقل الناس، يعمل بها على طريق القرية والمركز، لا نقترب منه بالدرجة الكافية، لكننا نكتشف طيبته طوال الوقت، لو صادفت عودته مع أذان المغرب وكان يمر على مكان جلوسنا، نهلل له فيتوقف كى نركب معه، حتى بيوتنا، نتركه وقد انتشت قلوبنا بالفرح، كأنه حملنا على بساط سحرى لدقائق قليلة لكنها كافية لتجعل ليلتنا أكثر سعادة.
كان الرجل دائما فى خدمة الناس، لا يمل ولايبدى ضجرًا، رغم ما قد يحدث، فربما يطلب منه أحدهم الذهاب إلى مكان ما، وعندما يأتى البدرى أحمد عبدالمولى بسيارته يعتذر له الذاهب لأن «المشوار» أُلغى، فما أن يغادر البدرى بسيارته حتى يرسل إليه مرة أخرى، لأن الأمر استجد، فيأتى مرة ثانية، ليس غاضبا ولا حانقا، وإن تكرر الاعتذار، خاصة لو أن المشوار يكون ذهاب شخص إلى مستشفى.
نعم كان البدرى أحمد عبدالمولى يقدم خدمة للناس، هو يدرك ذلك جيدا، ولا ينتظر منهم شكرا أو ثوابا، كان ينتظر الثواب من الله.
وقد أثابه الله ومنحه «المحبة»، ألقاها فى قلوب الجميع، فصارت للرجل البسيط مكانة، لا يصل إليها المدّعون والباحثون عن الشهرة، وذلك لأن قلبه كان «عامرا» بالخير، لاعداوة ولا بغضاء، فقط يسير فى طريق الله بخدمة الناس.
ويوم رحيله كان يوما مشهودا، فبعد المغرب سرى الخبر بأن البدرى أحمد عبدالمولى تعرض لحادث، فخرجت القرية على بكرة أبيها، تجرى، فلما وصلوا كان هو جالسا فى سيارته، فبعدما صلى المغرب، خرج من بيته وركب سيارته، وفجأة أحس بالتعب، فنزلت السيارة من على الجسر بكل هدوء إلى جانب الطريق، واستقرت ساكنة ومعها سكن كل شىء، وصار الخير فى الدنيا قليلا.