ربما علينا أن نعترف بأن صناعة الدراما فى مصر تطورت فى الشكل والنوعية، لكنها ماتزال تفتقد للمضامين الطبيعية التى يمكن أن تجمع بين التشويق والمتعة. التقنيات والتصوير والمشاهد فى الأعمال الدرامية فيها الكثير من التفاصيل. واستفادة من التقنيات والتطور الكمى والكيفى فى أدوات التصوير والجرافيك. أما على مستوى المضمون هناك فراغات لم تنجح الأعمال التى ظهرت خلال السنوات الماضية فى ملئها. فى الشكل العام يمكن أن تكون المسلسلات مسلية وتملأ الفراغ والوقت، لكنها لا تترك أثرًا لدى المشاهد بعد لحظات من نهاية الحلقة. وطبعًا المهم لدى منتجى الدراما أن تحقق عائدًا مناسبًا وأرباحًا من التوزيع الداخلى والخارجى بشكل يغطى التكاليف ويضيف أرباحًا. والربح هو الهدف الأساسى لأى منتج، أما المضمون والفكرة فهى محترمة طالما تحقق الربح والعائد، أما إذا كانت تؤدى للخسارة فهى بلا معنى.
مسلسلات هذا العام أقل من الأعوام الماضية فى العدد، كثيرة مقارنة بالفترة الزمنية التى تعرض فيها. لكن الغالب على الأفكار المختلفة هو أنها تدور خارج سياقات الواقع فى مصر، وكثير من الأعمال تبدو أنها تدور فى بلاد أخرى، ليس فقط كون الأبطال يعيشون فى مناطق ومجتمعات معزولة وكأنهم من عالم آخر.
ملاحظة مهمة التركيز على العصابات والخطف والقتل والصراعات التى تبدو فى بعض الأحيان بلا بداية ولا نهاية. وطبيعى أن هناك عصابات لكن الأغلب فى المعالجات هو أنها تبدو منقولة من السينما والدراما الأمريكية. أو مستوردة، وبالرغم من تطور أشكال ومضامين الأعمال الدرامية خلال السنوات الأخيرة، هناك الكثير من المشاهد منقولة من أعمال خارجية بشكل يجعلها خارج السياقات الدرامية أو الضرورات.
وتغيب هذا العام الأعمال الملحمية أو الاجتماعية التى تغطى مساحات أجيال أو تتناول مساحات تاريخية معاصرة أو سياسية محددة مثلما كان الأمر فى التسعينيات مع أسامة أنور عكاشة، أو حتى الأعمال التى تتناول تفاصيل الصراعات العائلية والاجتماعية بشكل يعبر عما يحدث فعلًا. ربما لهذا فإن عملًا مثل «ليالى أوجينى» يلفت الأنظار إليه وهو يغطى مرحلة بعيدة نوعًا ما من تاريخنا الحديث، وهى الفترة التالية للحرب العالمية الثانية فى بورسعيد، والعمل يحمل قدرًا من الرومانسية والميلودراما التقليدية لكنه مع ذلك يتميز عن تيار درامى غالب يتركز على العصابات أو الجريمة بعيدًا عن الحياة العادية للبشر.
الناتج النهائى أن الدراما لا يمكن أن تكون معبرة عن الواقع الحالى ولا عن التطور الاجتماعى والسياسى للمجتمع. ولا تبدو أن هناك خطة واضحة لتحديد ما يفترض أن تتم معالجته وعرضه دراميًا، لكنها المصادفات التى تفرض نفسها على كل ما يجرى، حيث لا توجد تصورات واضحة لدى القائمين على الإنتاج الدرامى بشكل يجعل الدراما منتجًا مهمًا ومطلوبًا داخليًا وإقليميًا وخارجيًا. ومهما كانت الانتقادات للدراما والسينما فى مصر فإن القاهرة ماتزال أكبر عاصمة تنتج الدراما، سواء من ناحية الكم أو الموضوعات التى يمكن تناولها وطرحها. ومع هذا فإن الأمر يبدو فى بعض الأحيان فقيرًا وأقل مما يفترض أن تكون عليه الأحوال الدرامية التى تتناسب مع حالتنا.
ومن اللافت للنظر أيضًا فى الكثير من الأعمال التى تعالج قضايا اجتماعية أو تدور فى أحياء شعبية هى لا تتعامل مع الأحياء الشعبية بمفرداتها، وإنما تتعامل مع عالم آخر، من الصراع والقتل أو القوة، بعيدًا عن التفاصيل الاجتماعية، وبالطبع فإن الأسهل لصناع الدراما أن يخترعوا عددًا من المعارك والقتل والحرق والضرب، بدلًا من أن يبحثوا عن تفاصيل منطقية يمكن أن تحمل قدرًا من الجاذبية. وبالتالى فإن الأكشن يعوض نقص الموضوع.
أما عن الكوميديا فهى لا تخرج عن نفس السياق، التكرار والتعامل مع اسكتشات ساخرة وإفيهات منقولة من مواقع التواصل أو عمليات كتابة تنقل وتعيد وتزيد، ربما لهذا تقع أغلب الأعمال الفكاهية فى إطار الإفيهات. ربما لهذا عندما يظهر عمل مثل عوالم خفية أو بالحجم العائلى فإنه يحظى بقدر من المشاهدة، لكونها تقدم التسلية والمتعة من موضوع له قوام وأول وآخر بعيدًا عن صناعة الإفيهات. وبالطبع فإن شخصية ممثل قدير مثل يحيى الفخرانى تضاعف من حجم الإقبال على «الحجم العائلى». ثم أن الفخرانى اعتاد عليه جمهور رمضان منذ ليالى الحلمية وربما قبلها، وأصبح علامة من علامات دراما رمضان، ويحرص الفخرانى على التجديد وانتقاء موضوعات متنوعة لاتشابه بينها وهو ما يجعل أعمال الفخرانى طازجة.