امرأة جليلة شريفة النسب، من نساء المسلمات الهاشميات الحرائر فى مدينة عمورية، صرخت مستغيثة لما أُخذت فى الأسر «وااامعتصماه»، وذلك لما دخل ملك الروم حصن «زبطرة» وقتل خيرة أهلها، واسترق الباقى، وأخذ فى الأسر ألف امرأة من المسلمات.
إنها قصة تبرز لنا كيف كُرمت المرأة فى الإسلام، وتمتعت فى ظله بمكانة عظيمة فالرسول، صلى الله عليه وسلم، أوصى بالنساء، وعلى مر التاريخ حرص الحكام على التمسك بتلك الوصية، وتبدأ أحداث القصة حينما استغل الروم انشغال المعتصم بالقضاء على بعض الفتن الداخلية، وأغاروا على عمورية تلك المدينة الفاصلة بين حدودهم وحدود المسلمين، وهناك فى عمورية كان الروم يسيئون معاملة أهلها، ويقتلون الرجال، ويسبون النساء، ومن ضمن هؤلاء النساء كانت صاحبة هذه القصة، وكان هناك رجل عربى متنكر استطاع أن يرى ما حدث، ويعرف مكانها، فسار إلى المعتصم وأبلغه بما كان، فجهز جيشه، وأعد عدده، وخرج للغزو، وتمكن من تدمير أنقرة، وأسر جنودها، وسبى نساءها، ثم جعل العسكر ثلاثة عساكر ميمنة، وميسرة، وقلب، وأمر كل عسكر أن يكون له ميمنة وميسرة، ثم سأل المعتصم قواده: أى بلاد الروم أمنع وأحصن؟
فقيل له: «عمورية، لم يعرض لها أحد من المسلمين منذ كان الإسلام، وهى عين النصرانية، وهى أشرف عندهم من القسطنطينية، فعزم المعتصم على غزوها وفتحها».
واجتمعت كل العساكر بقيادة «المعتصم» عند عموريّة، وتحصن أهلها بالأبراج، وجعل المعتصم كل قائد من قواده على ناحية من أبراج المدينة، وجعل المسلمون يرمونهم بالمنجنيق، والروم يردون عليهم الضرب، والروم فى منعة شديدة داخل أبراج المدينة.
وعلم «المعتصم» من عربى متنصّر، تزوّج فى عمورية وأقام بها، أن موضعًا من المدينة جاءه سيل شديد، فانهار السور فى ذلك الموضع، فأمر المعتصم بتشديد الرمى بالمنجنيق على هذا الموضع، ومحاولة دخول المدينة منه، وأمر بردم الخنادق التى أقامها أهل عمورية حول أسوار المدينة، ودار قتال شديد انتصر فيه المسلمون بالنهاية، ودخلوا عمورية لست ليال من شهر رمضان، سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وتم قتل نفر كثير من أهل الروم المحاربين، كان على رأسهم قائدهم، وهكذا سقطت عمورية بعد معركة طويلة صعبة استخدمت فيها أدوات الحصار الضخمة الكبيرة كالدبابات والمجانيق والسلالم والأبراج على اختلاف أشكالها وأنواعها، وذلك بعد حصار دام خمسة وخمسين يومًا، من أجل استغاثة امرأة بالمعتصم، قال لها لما وصل إليها: هل لبى المعتصم نداءك؟
وهكذا كان نداء هذه المرأة سببًا فى فتح عمورية، وكان للمعتصم الفضل فى عودة المرأة حرة كما كانت.
فيا معاشر النساء أكثرن من إعداد أمثال المعتصم، فالأمة تحتاج للرجال، والأوطان لا يحررها مخنثون مغيبون، يا معاشر النساء أكثرن من إعداد القادة، فالأمة سئمت أرباب البلادة.