هل نحتاج تعديلًا للدستور؟.. تعيش مصر منذ عدة أسابيع جدلا غريبا فى شكله ومضمونه حول الدعوة لتعديل دستور 2014، فهناك جبهة أعلنت عن نفسها وقالت إنها ساعية لإقناع الشعب بتعديل الدستور، وفى المقابل أنشأ عمرو موسى، رئيس لجنة الخمسين، المؤسسة المصرية لحماية الدستور، ضمت الدكتورة عبلة عبداللطيف رئيس المجلس الاستشارى للتنمية الاقتصادية برئاسة الجمهورية، والدكتور فؤاد عبدالمنعم رياض رئيس لجنة تقصى حقائق ما بعد 30 يونيو وآخرين هدفهم الحفاظ على الدستور الحالى، بل والمطالبة بتطبيقه من خلال تعديلات تشريعية وقوانين جديدة تتماشى مع ما انتهى إليه الدستور.
شخصيًا أرى أن المطالبة بتعديل الدستور فى الوقت الراهن فيه نوع من المغالاة التى لا حاجة لنا بها، كونها ستدخلنا فى متاهات جديدة قد تؤثر على الاستقرار السياسى الذى بدأت معالمه تظهر على الدولة، بانتخاب مجلس النواب وبدء عمله، فدولة لا تستقر على دستور، وبالتالى فهى غير مستقرة سياسيًا ولا اجتماعيًا، مما يعطى رسالة سلبية للخارج خاصة المستثمرين الذين يخشون ضخ استثماراتهم فى دولة لا تعرف الاستقرار السياسى والقانونى، وهو ما يجب أن يفهمه جيدًا أصحاب الدعوة لتعديل الدستور، فالوقت والأجواء ليست مهيأة لمثل هذه الدعوات التى ربما قد تحدث شرخًا فى المجتمع ربما يكون من الصعب معالجته أو تضميد جراحه حتى على المدى البعيد، أخذًا فى الاعتبار حالة التجاذب الكبيرة التى نعيشها حاليًا بسبب ما نراه من أحداث داخل البرلمان أثرت على الأداء العام للمجلس.
منطقيًا الدستور لم يمر عليه سوى عامين، كما أن غالبية بنوده ومواده لم تطبق حتى الآن، وأمامنا عدة أشهر وربما عامان على الأقل لنقول إن الدستور بدأ يطبق فعليًا وينتج آثاره، فكيف نطالب بتعديل ما لم يطبق من الأساس، فالأولى أن يكون هناك ضغط من جانب القوى السياسية والحزبية على مجلس النواب ليبدأ فى مهامه التشريعية ومناقشة القوانين التى تحتاجها الدولة حاليًا خاصة لتشجيع الاستثمارات الخارجية والداخلية أيضًا، بتهيئة البيئة التشريعية لذلك، فضلًا عن القوانين الأخرى التى هناك تأكيد على الحاجة لها، لذلك فإن الأفضل أن يكون هناك تركيز على مجموعة من التشريعات والقوانين التى تحتاجها الدولة، بدلًا من هذا الجدل الذى لا فائدة ترجى منه.
قبل أن تكون هناك مطالبة بتعديل الدستور يجب أن يكون هناك وعى جماعى بالدستور وبنوده والدفاع عن الدولة المدنية التى أرسى دعائمها وحدد خصائصها، والعمل على احترام الدستور وحمايته من أى تجاوزات بشأنه وضمان سلامة عمل مؤسسات الدولة وفق القواعد الدستورية التى تفصل بحزم بين السلطات الثلاث، والتوعية بما فى الدستور من حقوق وحريات غير مسبوقة، بالإضافة إلى التحذير من تغول أى سلطة على السلطات الأخرى، أو عدم إعمال نصوص الدستور بما ينتهك الشرعية الدستورية.
هذا هو ما نحتاجه بالفعل.. نحتاج احترام الدستور وحمايته من أى تجاوزات، لا الحديث عن تعديله أو تغييره.. نحتاج تطبيق الدستور أولًا ثم بعد ذلك نقيم هل نحن بحاجة لتعديل دستورى أم نبقى على الدستور كما هو.
كيف نواجه حالة التيبس السياسى؟.. جزء مهم من الأزمة أو المشكلة تكمن فى ضعف الحياة الحزبية بمصر، وهذا مرتبط أساسًا برؤية الشارع للأحزاب القائمة التى لا وجود لها فى الشارع، سواء من ناحية التأثير أو التفاعل مع الأزمات والمشاكل التى تعانى منها الدولة، أو مطالب المواطنين أنفسهم، فلو كان لدينا أحزاب قوية لما وصلنا إلى هذه المرحلة التى يتم فيها تدشين مؤسسات وجميعات، سواء للمطالبة بتعديل الدستور، أو الإبقاء عليه كما هو، فالجدل حول الدستور هو أحد أعراض الداء المصرى المتمثل فى غياب الأحزاب أو الحياة الحزبية بشكل عام، وإذا استمر الحال على ما هو عليه الآن لن يرجئ أى أمل نحو تحقيق التقدم الذى نسعى إليه.
كل ما تحتاجه مصر أن يتم بناء الحياة السياسية فيها من جديد بإيجاد أحزاب قوية ومتفاعلة مع الشارع، وربما يكون من المنطقى فتح باب النقاش مرة أخرى حول إنشاء حزب للرئيس، ليكون ظهيرًا سياسيًا له.. أقول فتح النقاش وليس الإقرار بالفكرة، لأننا مررنا بتجارب سابقة أوصلتنا إلى حالة من التيبس السياسى والحزبى، ولا نريد أن نكرر التجربة بحذافيرها، لكن قد يصل النقاش إلى فكرة جديدة.