هو الإمام حسن العطار «1766-1835» شيخ الأزهر ومجدد الدولة وصاحب المؤلفات والشروح الكثيرة، التى أحدثت حراكا ثقافيا وفقهيا كبيرا فى عصره، وهو الشاعر الرقيق والشيخ الواثق، والمكافح الذى لم يعبأ بجهل يحيط به ولا تخلف يعانى منه المجتمع، فحمل شعلة التنوير بفكره وقلمه وإمامته، فكان بحق غارس نهضة مصر والأزهر.
قال عنه محب الدين الخطيب فى كتابه عن «الأزهر»: وكان العطار متضلعاً فى العلوم الرياضية، فضلاً على العلوم الشرعية والعربية، وقال عنه المؤرخ عبدالرحمن الرافعى: كان الشيخ حسن العطار من علماء مصر الأعلام، وامتاز بالتضلع فى الأدب وفنونه، والتقدم فى العلوم العصرية، وكان هذا نادراً بين علماء الأزهر، كما قال عنه رفاعة الطهطاوى: «كان له ولوع شديد بسائر المعارف البشرية، أما المؤرخ الأشهر لعصره عبدالرحمن الجبرتى فقال فيه: «صاحبنا العلامة، وصديقنا الفهامة، المنفرد الآن بالعلوم الحكمية، والمشار إليه فى العلوم الأدبية، وصاحب الإنشاء البديع والنظم الذى هو كزهر الربيع، الشيخ حسن العطار».
وعرف عن الشيخ الجليل اطلاعه الكبير على العلوم والمعارف والفلسفات الأجنبية، وهو فى هذا يقول: «إن هذه المجالات لا يطرقها إلا عدد قليل من الناس فينقذون البشرية من الجهل والتخلف»، ولذلك دافع عن إدخال علم الطب إلى مصر، وحينما حدث يوماً أن حاول أحد الطلاب أن يفتك بالطبيب كلوت بك، وهو يمارس تشريح جثة فى مشرحة مدرسة الطب بأبى زعبل، وقف الإمام «حسن العطار» وقد كان وقتها شيخا للأزهر فى امتحان مدرسة الطب، وقال: إن الدين الحنيف لا يتنافى مع العلم ولا يعارضه، وأشاد بتعليم الطب وفائدته فى تقدم الإنسانية، وفى عصر محمد على وجد العطار مبتغاه فتقرب العطار منه وصار من مستشاريه، حتى إنه تولى رئاسة تحرير جريدة الوقائع المصرية الناطقة باسم الدولة، بجانب التدريس بالأزهر.
أشهر ما يروى عنه أن أحدهم لامه وهو شيخ الأزهر فى حبه لسماع الأغانى وكتابة الشعر الغزلى فقال له: «من لم يتأثر برقيق الأشعار، تتلى بلسان الأوتار، على شطوط الأنهار، فى ظلال الأشجار، فذلك جلف الطبع حمار»، كما عمل على أن يعيد للعلم سيرته الأولى بأن يحصن العالم بالأدب والعلوم الطبيعية بجانب العلوم الدينية، لما فى ذلك من فائدة عظيمة، لكنه حرص على ألا يصطدم بشكل مباشر مع شيوخ الأزهر المنغلقين، فأوعز إلى تلميذه محمد عياد طنطاوى بأن يعطى دروسا فى الشرح والتعليق على كتب الشعر والأدب، وبفضل هذا التوجيه استطاع الإصلاح فى الأزهر بأن يسجل أول حركة فى الدراسات الأدبية والشعرية فى صحن الجامع العريق، كما أنه ينسب إليه الفضل فى تعرف الأزهريين على كتب الأدب المختلفة مثل كتاب الأغانى لأبى الفرج الأصفهانى، وبرغم دور الإمام حسن العطار الكبير وتفقهه الواسع لم ينل حظه حتى الآن من اهتمام الباحثين، حيث تكتظ مكتبة دار الكتب بمؤلفات الشيخ التى تصل إلى ما يقرب التسعين مؤلفا، ما بين علوم الفقه وأصول الدين والنحو والبلاغة والفلسفة والطب، والهندسة، وما بين شروح ومقالات وأشعار، وظلت هذه المخطوطات القيمة التى شكلت وعى عصر نهضة مصر الحقيقى مجهولة لا يراها دارس ولا قارئ.