إذا أجرينا استطلاع رأى مهما مؤسسا على قواعد علمية ومهنية جديرة بالاحترام فى الشارع، عن ذكر أسماء 5 محافظين حاليين، فلن تجد مواطنا واحدا حافظا حتى اسم محافظ المحافظة التى يقطن فيها..!!
السبب الرئيسى، أنه لا يوجد محافظ استطاع أن يجعل من محافظته أيقونة نهضوية وتنموية، مثلما حدث فى السابق بالإسماعيلية على يد الدكتور عبدالمنعم عمارة، أو فى الإسكندرية على يد اللواء عبدالسلام المحجوب، أو فى قنا على يد اللواء عادل لبيب، وغيرهم كثر!!
فالمواطن فى محافظة الجيزة على سبيل المثال، يرى يوميا، تراجع الخدمات بشكل لافت فى جميع أحياء ومدن وقرى المحافظة، وبشكل لم تشهده المحافظة عبر تاريخها الطويل، فكيف يتذكر اسم محافظها، ونفس الأمر فى القاهرة وقنا والأقصر وأسوان والشرقية والغربية والوادى الجديد!!
ولابد أن نعترف بأن هناك فارق قدرات وسرعات أداء ضخمة بين الرئيس عبدالفتاح السيسى، بجانب شجاعة اتخاذ القرارات الصعبة، وبين كل المسؤولين فى مصر، ويمكن لنا أن نتفهم الفروق الفردية فى القدرات، لكن لا يمكن أن نقبل مسؤولين كبارًا يتعاملون بعقلية الموظفين، ويُعلون من شأن البيروقراطية القاتلة، وإظهار مهاراتهم الفائقة فى كيفية الغرق فى تفاصيل دوامات اللوائح والقوانين العتيقة لعرقلة القرارات، وتنفرج أساريرهم ويشعرون بذواتهم وقدراتهم على استخراج بنود ومواد من ترسانات اللوائح والقوانين لرفض قرار بعينه.
وهناك مقولة عبقرية ترسم خريطة طريق النجاح فى العمل، مفادها أن الفاشلينهم الذين يعملون ولا يفكرون، وأيضًا الذين يفكرون ولا يعملون، فلا فائدة من شخص يعمل ليل نهار دون تفكير وإبداع والتمتع بخيال خصب، ولا فائدة من عبقرى فى ابتكار الأفكار والتمتع بقدرات ومهارات كبيرة، لكنه يتكاسل ولا يعمل، فمن الضرورى التمتع بخصال الفضيلتين، التفكير والعمل معًا.
وإذا اتخذنا هذه النظرية مقياسًا لتقييم معظم المسؤولين فى مصر، تجدهم ينقسمون إلى ثلاثة فرق، الأولى: مسؤولون يعملون ولا يفكرون، والثانية: يفكرون ولكن لا يعملون، والثالثة: قلة تفكر وتبدع وتعمل، وهؤلاء فى مؤسسات محترمة لم يقترب منها العطب أو الصدأ المسيطر على معظم مؤسسات مصر طوال الـ40 عامًا الماضية، وهو أمر يضع القيادة السياسية دائمًا فى مأزق حقيقى عند البحث عن كفاءات تفكر وتعمل لإسناد مناصب حيوية لها، خاصة مناصب الوزراء والمحافظين، ولا تجد.
وإذا كنا بصدد حركة محافظين شاملة، ضرورية بموجب الدستور، فإنه من الضرورى أن يكون التغيير شاملا جامعا، والدفع بوجوه جديدة، تستطيع إحداث الفارق، وتواجه وحش الفساد والإهمال المستشريين كأورام سرطانية، بجانب أورام مجالس المدن والقرى، المعطلين والمدمرين لكل نجاحات التنمية، بتعميق البيروقراطية والروتين المتعفن!!
يا سادة رؤساء المدن، خاصة المدن الغنية، ولديها ظهير صحراوى، من أملاك الدولة يبلغ مئات الأفدنة الصالحة للزراعة، يعبثون بهذا الملف، أيما عبث، ويمكّنون أقاربهم وذويهم، ومن يدفع، والبلطجية، من هذه الأراضى لتسقيعها، ومحاربة كل جاد قادر على زراعة هذه الأراضى، وتسديد قيمتها للدولة..!!
وإذا قلنا إنه لا يوجد سوى 5 محافظين فقط من المحافظين الحاليين يؤدون ويبذلون جهدًا لتقديم خدمات لائقة للمواطنين، فإننا نكون متفائلين إلى أقصى درجات التفاؤل، والحقيقية أن الغالبية الكاسحة من المحافظين، بعيدون تمامًا عن معادلة التنمية والتطوير والقدرة على التفاعل وتفهم طبيعة المرحلة، ومواجهة التحديات الكبيرة التى يمر بها الوطن.
والمعنيون بقرار اختيار المحافظين، والجهات المسؤولة، نرجوهم، ونتوسل إليهم، ألا يعتمدوا على التقارير الشبيهة بالسير الذاتية للمرشحين لمنصب المحافظين، أو المتوقع من الحاليين أن يستمروا، وأن يكون الاعتماد، وفق تقارير ميدانية تتضمن حجم الإنجازات والإخفاقات، وهل العناصر المطروحة قادرة على إدراك طبيعة المرحلة، وما تتطلبه، والتعاطى معها بقوة؟!
اذهبوا إلى محافظة الجيزة، وستَلمسون بأنفسكم حجم الإهمال الشديد، والدمار الشامل فى كل المرافق، والشوارع التى تحولت إلى ترع ومصارف، وإذا كان اللواء كمال الدالى ترك الحبل على الغارب لرؤساء الأحياء والمدن والقرى، دون رقابة أو محاسبة، ما أدى إلى حالة الانهيار والإهمال الشديد فى جميع المرافق والخدمات للمحافظة، فنفس الأمر ينطبق على باقى المحافظات، اتجهوا إلى أسوان والأقصر وقنا والوادى الجديد والمنيا والفيوم وبنى سويف والقاهرة والغربية والشرقية والمنوفية، وستجدون العجب العجاب!!
معظم المحافظين تسيطر عليهم عقلية الموظف الإدارى الروتينى، وهى العقلية التى تتعارض وتتقاطع مع متطلبات من يتبوأ منصبا قياديا مثل منصب المحافظ، والمفترض وجوبيا أن يتمتع بقدرات إدارية وسياسية وخيال خصب فى حل المشاكل المستعصية.
وهناك نماذج لمحافظين كل جهدهم وقريحتهم مُسخرة للتفكير فقط فى كيفية أن يظلوا طوال الوقت فى بؤرة اهتمام الإعلام، سواء أمام كاميرات الفضائيات أو الصحف الورقية والإلكترونية، للتحدث عن مشروعات ليست من صنعهم، اعتقادًا منهم بأن وجودهم تحت مجهر الإعلام توظيف واستثمار جيد للمحافظة على مناصبهم.
نعم، هناك ضرورة ملحة وبشدة للتغيير الشامل فى حركة المحافظين الإجبارية، واختيار عناصر قادرة على إحداث الفارق، من عينة عبدالمنعم عمارة وعبدالسلام محجوب وعادل لبيب، ينحتون فى الصخر، ويحولون الفسيخ إلى شربات، ولا يجلسون فى مكاتبهم، أو يتعاملون باستعلاء.
عناصر تستوعب طبيعة المرحلة، والتعاطى معها بقوة، وإدراك أن مصر فى مرحلة الانتقال من دولة عجوز ومريضة بالشيخوخة، إلى دولة شابة ويافعة، قادرة على التطور والنهوض والازدهار، ونقل الزمن إلى خانة «اللاوقت» ومصارعته، وتحقق إنجازات ملموسة على الأرض.
ولك الله ثم جيش قوى وشعب صبور يا مصر..!!