التسلية فقط وتمضية الوقت هى ما يمكن أن يحصل عليه المشاهد من كل هذه المسلسلات، ويصعب أن يحتفظ المشاهد بحلقة أو مشهد بعد انتهاء الفرجة، والعيب ليس فى المشاهد، ولكنه فى دراما تقوم على إعادة ترتيب مشاهد سبق لأعمال أخرى تقديمها.
وفى مسلسلاتنا فقط يمكن أن يتحول الأكشن إلى كوميديا، والكوميديا إلى مأساة، والرومانسى إلى بحلقة وشحتفة ونظرات سهتانة تبتلع وقت الحلقة من دون أى رومانسية وتتحول الميلودراما إلى نكد متوازٍ يخلو من المضامين، ولا شك أن المشاهد معذور ومضطر وهو يبحث عن التسلية أن يتعرض لكل هذا البث الهلامى الذى بلا أول ولا آخر.
أغلب المسلسلات الحواوشية بدأت بحلقات عادية لجر رجل المشاهد المضطر، وغالبا السيناريو يتعامل مع خمس أو ست حلقات، ثم تبدأ عمليات المط والنفخ والتطويل حتى يمكن تحويل خمس أو عشر حلقات إلى ثلاثين حلقة فى عين العدو، الذى هو المشاهد.
طبعا المشاهد من حقه أن يتوقف عن المشاهدة أو يغير القناة أو ينسحب، لكنه فى كل الأحوال مجرد مشاهد تجارب إذا فكر فى الهروب من الإعلانات التى تطارده فى صحوه ومنامه وتحاصره بالكومباوندات الفاخرة والمنتجعات الساحرة من جهة، وإذا هرب من إعلانات الكومباوند الفاخر أو المنتجع يجد نفسه أمام هجمات الشحاتة والابتزاز العاطفى، وفى كلا الحالين ليس أمام المشاهد بد سوى المشاهدة أو إغلاق الصوت.
أما عن المسلسلات فليست أقل هلامية من الإعلانات، زحام مسلسلات الحواوشى واضح يصعب على المشاهد أن يميز رأس المسلسل من رجليه، بالطبع قليل من الأعمال الدرامية هى التى تحاول تقديم فكرة مميزة أو تحترم عقل المشاهد ويبذل كتابها ومخرجوها جهدا لتقديم عمل يجمع بين التشويق والحبكة، لكن أغلب الأعمال فقط حلقات تقديمية يكاد المشاهد يميز فيها القليل من الأحداث ثم ينسى المؤلف والمخرج الموضوع ويجد المشاهد نفسه متفرجا على عمل آخر.
ووسط الرغبة فى المط والتطويل يتحول العمل غالبا إلى حواوشى مسلسلاتى يزدحم بالتوابل التى تغطى على ضعف وتفكك الفكرة.
حلقات مشوقة وسرعان ما يدخل المسلسل فى شوارع وحوارى وينسى المخرج الموضوع ولا يعرف المشاهد له أولا من آخر.
مسلسل يفترض أنه أكشن والبطل فظيع وخطير يظل طوال أكثر من 24 حلقة داخل تفاصيل مملة ومط وأحداث دائرية وهروب وتكرار للمشاهد، لدرجة أن حلقة كاملة يتم فيها إعادة مشهد واحد، ناهيك عن أن البطل يتعرض لمئات من عمليات إطلاق الرصاص والمطاردات، لكنه ينجو منها جميعا من دون أن تهتز له شعرة واحدة، والمعارك والمطاردات هى التوابل التى تغطى على مكونات الحواوشى الدرامى الذى لا يحتوى على أى أحداث وغالبا ما تتشعب الخيوط وتفلت من الفريق لتظل عند نقطة واحدة.
وإذا تركنا الأكشن إلى الرومانسى، فإذا بنا أمام عمل تتحرك الأحداث فيه ببطء السلحفاة، ويتصور صناعه أن الرومانسية أن يظل البطل يبص للبطلة وهى تبص له ويحشرجان بأصوات وغمغمات تجعلهما أقرب إلى البلاهة منهما للرومانسية. وفى النهاية يجد المشاهد نفسه تائها بين أحداث بطيئة وتفاصيل تمت إضافتها لزوم النفخ والمط تحول الأكشن إلى كوميدى والرومانسى إلى بحلقى ملىء بالحشرجة.