فى الصف الأول الابتدائى، دخلت المدرسة قلقا مرتبكا، حافظا وصية أبى وإخوتى بالبحث عن الأستاذ محمد خليل عبدالعزيز، وظلت عيناى الصغيرتان تدوران بحثا عنه، وعندما رأيته، تحررت من خوفى، وأصبحت واثق الخطى، أسير ناحيته ويسير ناحيتى ومد يده وسلم علىّ، هكذا يظهر الأستاذ محمد خليل دائما فى حياتى باعثًا للطمأنينة.
تاريخ طويل يجمعنى بالأستاذ محمد خليل كنت أتأمله دائما، وفى الحقيقة فإن شخصيته منذ عرفتها لم تزدد سوى تسامح ومحبة وقدرة على التواصل الطيب وترك الأثر الجميل، هو اختار ذلك ونحن أدركنا جوهره ومعناه.
عن نفسى أعتبر أن جملة «سقراط» المهمة والخطيرة «اعرف نفسك» واحدة من أصعب وأقسى الجمل فى التاريخ الإنسانى، وكنت أراها اختبارا صعبا للناس، لكن الأستاذ محمد خليل «عرف نفسه» جيدا، فأعلى من قيمها وصار بالنسبة إلىَّ رمزا للصالحين فى الأرض.
والصالحون فى الأرض، هؤلاء الذين يدركون أن قلوبهم طيبة، والأستاذ محمد خليل كذلك، لم يفتعل القسوة ولم يسع إليها، بل كان رقيقا، مدركا لظروف كل التلاميذ الذين يقفون بين يديه، عارفا بأصولهم جيدا، عالما بأن القسوة ربما تطيح بهم من التعليم كله، وهو لا يفعل ذلك بل يفعل عكسه تماما فيسأل عن الغائبين وظروفهم.
ومن سمات الصالحين أيضا، صناعة البهجة، وقد كان ظهور محمد خليل كافيا لتتسع ابتسامة رضا على وجوه الأطفال، يحبهم ويحبونه يناديهم بألقابهم وأسماء جدودهم، دون تقليل منهم، فيضحك الجميع.
ومن سمات الصالحين أيضا التى يتسم بها الأستاذ محمد خليل أن تدينه انعكس على أخلاقه وقيمه، فقد صار قلبه معلقا بالله، مؤمنا تماما بأن الإنسان لا يصيبه إلا ما كتب الله له، وأن تصريف الأمور جميعها بيده، وفى الوقت نفسه «ليس للإنسان إلا ما سعى»، وهذا التوازن القوى بين الإيمان والسعى هو ما صنع الفارق فى حياته وحياة المحيطين به أجمعين.
ومن سمات الصالحين أيضا التى اتصف بها، بعده عما يشغل الناس، فقد استطاع أن يرسم لنفسه خطا حياتيا، فلا يتدخل فى شؤون أحد، ولو طلب منه ذلك فهو يسعى بالخير، لكنه عادة لا يشغل نفسه بالحكايات ولا بسيرة القريبين والبعيدين من الخلق.
بالطبع لا أستطيع حصر قيمه، لكننى أدركها تماما وأدرك أهميتها، وأعرف أن وجوده فى الحياة ضرورة، كى يحافظ الناس على إنسانيتهم فلا يفقدوها بدافع صعوبة الحياة وقسوة الأيام، بل يرون فى شخص الأستاذ محمد خليل نموذجا حيا على أن القيم العظيمة لا تقلل من الإنسان ولا تضعفه، بل تعلى منه وتزيد من فضله.