هذا خبر جميل ومفرح، وقليلة هى الأخبار الجميلة المفرحة التى تعكس حراكا مجتمعيا نحو قضية مهمة ومصيرية مثل قضية الحفاظ على نهر النيل العظيم من التلوث، الخبر يقول إن مؤسسة «شباب بتحب مصر» أطلقت حملة موسعة لتنظيف نهر النيل من القمامة والمخلفات، خاصة المخلفات البلاستيكية المدمرة لحياة الأسماك، فضلا عن تشويهها للشكل الحضارى لأعظم الأنهار فى العالم.
لا أنسى مشهد السائحين الأجانب فى الإسكندرية منذ سنوات، عندما قرروا أن يبادروا بتنظيف شواطئ الإسكندرية من المخلفات للحفاظ على المظهر الحضارى للإسكندرية التى كانت يوما ما من أجمل مدن العالم الكوزموبوليتانية، تتعايش فيها الجنسيات المختلفة والثقافات المتباينة وكانت مشهورة بأناقتها ونظافتها وتحضر سكانها، قبل أن تنحدر إلى مستوى العشوائيات وتتفشى فيها أخلاق الزحام وقيم التطرف فتفقد طابعها الذى كان يميزها بين المدن المصرية والعربية والعالمية.
نفس المشهد تكرر فى الأقصر، عندما بادرت السائحة الفرنسية مارى دريبكورت إلى دعوة مجموعة من أصدقائها إلى تنظيف نهر النيل من المخلفات والقمامة والحيوانات النافقة، وبالفعل أحدثت السائحة المأخوذة بجمال النيل والأقصر ردود فعل واسعة، ودفعت مجموعات من الشباب الأقصرى وعددا من الجمعيات الأهلية والأجهزة التنفيذية بالمدينة إلى إطلاق الحملات المشابهة للحفاظ على نهر النيل من التلوث وتوعية الأهالى بعدم إلقاء المخلفات والحيوانات النافقة فى مجراه.
هذه المبادرات من ناحية وعودة هيبة الدولة التى تواجه عمليات التعدى على حرم النهر من الإسكندرية إلى أسوان بالإزالة وتغريم المخالفين، كفيلة بإحياء المظهر الحضارى للنهر الخالد بعد أن طالته أيدى الإهمال واللامبالاة والتلوث مع سبق الإصرار والترصد، وكأن المصريين فى مرحلة من حياتهم يصابون بلوثة تدفعهم إلى القضاء على أسباب وجودهم وهو النيل الذى كان مقدسا فى يوم من الأيام ويعتبر تلويثه أو الاعتداء عليه من الجرائم الكبرى التى تدخل مرتكبها فى العذاب الأبدى، ولكن ذلك كان فى عهد الفراعين الأوائل عندما كانت بلدنا دولة عظمى بعقول وقيم وتحضر أبنائها.
وكانت وزارة البيئة، العام الماضى، قد أطلقت خطة طوارئ بالتنسيق مع عدد من الوزارات والأجهزة المحلية، لمواجهة تلوث نهر النيل وتقليل الأضرار السلبية الناتجة عنها، ووضعت تسع توصيات للمحافظة على النيل، منها، عدم إلقاء المخلفات بجميع أنواعها فى مجرى نهر النيل وتخصيص أماكن للتخلص من المخلفات بجميع أنواعها ووضعها فى الحاويات الخاصة بذلك على طول ضفاف نهر النيل، وكذا رفع الوعى البيئى لدى المواطنين من خلال تنظيم ندوات توعية لطلاب المدارس والجامعات، مما يزيد روح الحفاظ على نهر النيل وتقديس قيمته كشريان للحياة، وعمل نشرات إعلامية بواسطة الهيئات والجهات المختصة «الرى والزراعة والبيئة»، للتوعية بأهمية الحفاظ على نهر النيل، ومعاقبة رادعة، وتفعيل القوانين لمعاقبة الأشخاص والجهات التى تتسبب فى تلوث مياه مجرى نهر النيل بأى وسيلة، وتقنين استخدام الأسمدة والمبيدات بكثرة فى المحاصيل الزراعية.
لكن أهم هذه التوصيات من وجهة نظرى، والمتسق مع مبادرة مؤسسة «شباب بتحب مصر» أنها تعمل على إعادة الاعتبار والاحترام لنهر النيل فى نفوس المصريين، فهذا الوعى وحده الكفيل بوقف كل أشكال العدوان والتلوث التى يعانى منها النهر الخالد، وهو الكفيل بإنقاذنا من العشوائية والهمجية والانحطاط إلى التحضر والمدنية والنظام.