فعاليات زيارة أبى أحمد على، رئيس الوزراء الإثيوبى لمصر الأيام الماضية، أكدت بوضوح أن مستقبل العلاقات المصرية الإثيوبية يسير فى طريق التعاون والتفاهم الكاملين، بعد سنوات طويلة من التوتر والصدام بين البلدين، عقب المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى أديس أبابا يونيو 1995، وما تلاها من سنوات القطيعة وتجاهل الدول الأفريقية تحت حزام الصحراء ومنها دول حوض النيل، ثم الصدام المفتوح والمتصاعد بعد اتجاه إثيوبيا لبناء سد النهضة دون التفاهم مع دولتى المصب مصر والسودان وقيادتها دول حوض النيل لتوقيع الاتفاقية الإطارية لدول الحوض، وهى الاتفاقية التى تقاطعها مصر، لأنها التى لا تعترف بالحقوق التاريخية لمصر فى مياه النيل.
الدبلوماسية المصرية فى عهد السيسى انتقلت بمشكلة سد النهضة من مجرد مشكلة إقامة السد دون التشاور والإخطار والتفاهم الفنى بين دولة المنبع ودولتى المصب إلى بناء الثقة من جديد بين البلدين، وتوضيح الإمكانات الهائلة للتعاون بين البلدين والفوائد العظيمة التى يمكن أن تجنيها القاهرة وأديس أبابا، وكل دول حوض النيل من استبدال الشقاق والصدام بالتفاهم والتنسيق، حتى يتحول نهر النيل الرابط بينها إلى شريان للخير لجميع دول الحوض، وكذا إلى رابط اقتصادى وسياسى واستثمارى.
اليوم، العلاقات المصرية الإثيوبية تتناول ملفات متعددة، منها تحويل نهر النيل إلى شريان للنقل والتجارة بين جميع دول الحوض، وهو ما يعنى العمل على تطهير المجرى وتوفير مليارات الأمتار من المياه المهدرة التى يمكن أن تزيد الحصص المائية المقررة، وزيادة التبادل التجارى بين القاهرة وأديس أبابا وإقامة منطقة صناعية مصرية فى إثيوبيا، وكذا إنشاء صندوق ثلاثى بين مصر والسودان وإثيوبيا لتمويل مشروعات البنية التحتية.
وشاهدنا جميعا تفاصيل المؤتمر الصحفى بين السيسى ورئيس وزراء إثيوبيا أبى أحمد على الذى تناقلت وكالات الأنباء العالمية وكبريات الصحف والفضائيات تفاصيله بدقة، خاصة القسم الذى ألقاه رئيس الوزراء الإثيوبى بعد الرئيس السيسى، متعهدا بعدم الإضرار بمصر وبحصتها المائية، بل والعمل على زيادتها فى المستقبل، أيضا إشارة الرئيس السيسى إلى عمله خلال السنوات الأربع الماضية على تعزيز التواصل والتعاون، وترسيخ مفاهيم العمل المشترك، من أجل تحقيق المصالح الكبرى، فى إطار إعمال مبدأ المنفعة للجميع وعدم الإضرار بمصالح أى طرف، وبما يحقق التنمية والرخاء والازدهار للشعبين المصرى والإثيوبى.
وشتان بين ما وصلت إليه العلاقات المصرية الإثيوبية من تفاهم ونضج وبين ما كانت عليه مثلا فى 2012 عام حكم الإخوان الذى شهد الاجتماع الفضيحة المذاع على الهواء مباشرة الذى ضم مرسى ومجموعة من الأراجوزات للإفتاء فى كيفية الإضرار بإثيوبيا، وهو الاجتماع الذى سبب ضررا كبيرا فى العلاقات بين البلدين، استغرق سنوات من العمل والتشاور وإبداء حسن النوايا من جانب صر، حتى تعود العلاقات إلى طبيعتها وتصل إلى هذه الدرجة من التفاهم وتقدير المصالح المتبادلة والعمل على صيانتها.
بالفعل يمكن أن تكون إثيوبيا بوابة لمصر فى شرق أفريقيا، خاصة أنها تمثل سوقا كبيرة ولديها تعداد سكانى يقارب تعداد المصريين، ويمكن أن تستوعب الكثير من المنتجات والصناعات المصرية، وكلما زاد التعاون الاقتصادى والتجارى تعمقت العلاقات السياسية بين البلدين واكتسبت الكثير من الضمانات.