أخيرا وافق البرلمان على مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام المقدم من الحكومة، وهو القانون الذى يسد ثغرات كثيرة فى ممارسة مهنة الصحافة والإعلام، كما يعمل جاهدا على اللحاق بتطورات المهنة التى تحققت خلال السنوات العشر الماضية التى فتحت عهدا جديدا من الممارسة الصحفية لا تحيطها القوانين الموجودة، وكشفت عجز الدولة المصرية عن التعامل مع ما استحدثته من أشكال ووسائط صحفية جديدة اعتمدت على الطفرة التكنولوجية والمعلوماتية.
الدولة المصرية كانت لا ترى إلا المؤسسات الصحفية القومية ولا تتعامل إلا مع المؤسسات الصحفية القومية ولا تضع القوانين إلا لهذه المؤسسات، لكن المياه الجديدة التى جرت فى نهر المهنة جعلت المؤسسات الصحفية القومية أقلية بين الحراك الصحفى المصرى، فقد مثلت الصحف الخاصة والمواقع الإلكترونية الآن أغلبية كاسحة من حيث العدد والتأثير وسوق العمل، بغض النظر عن محاولات نقابة الصحفيين احتواء نسبة من هذا الحراك الصحفى الجديد، خصوصا المرتبط بإصدار ورقى.
وغنى عن القول إن القدرة على الوجود والتحول إلى صناعة توفر فرص عمل للصحفيين الشباب ومستخدمى المواقع الإلكترونية، وكذا القدرة على الـتأثير فى الوعى المصرى والعربى، هما الميزتان اللتان تمتلكهما المواقع الإلكترونية الإخبارية المستقلة، وهى التى تمثل الأغلبية والتيار الأقوى فى المجال الصحفى الآن، ومن هنا كان لابد وأن تتجه الدولة لوضع قانون يحيط هذه الوسائط الجديدة وينظم عملها ويحميها كصناعة توفر فرص عمل للصحفيين.
ويمكن القول، إن القانون الجديد يعكس التزام الدولة بضمان حرية الصحافة والإعلام وحظر فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها باستثناء فرض رقابة محددة فى زمن الحرب أو التعبئة العامة وإناطة بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام اتخاذ هذا القرار، وما يترتب عليه من إجراءات، بحسب ما جاء فى الفصل الثانى، المواد من 2 و3 و4.
كما نصت المواد من 5 إلى 15 بالفصل الثالث على حقوق الصحفيين والإعلاميين واستقلالهم وعدم خضوعهم فى أداء عملهم لغير القانون، وألا يكون ما ينشرونه أو يقومون ببثه سببا فى مساءلتهم، مع التأكيد على عدم إجبار الصحفى على إفشاء مصادر معلوماته تحت ضغط فى النقابة المعنية أو فى أى مؤسسة أمنية أو قضائية، وكذا حق الصحفيين والإعلاميين فى الحصول على المعلومات التى لا يحظر القانون إفشائها ونشرها، وحظر فرض أية قيود تعوق دون توفيرها، كما أعطت الحق للصحفى أو إلاعلامى فى حضور المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة والتصوير فى الأماكن غير المحظور تصويرها.
مساحة الحرية المتاحة للصحفيين فى القانون الجديد، يمكن أن تكون بداية لعهد جديد من الممارسة الصحفية المسؤولة والرشيدة، إذا توقفت مؤسسات الدولة عن التعامل مع الصحفى باعتباره الكائن المتطفل سبب المشكلات، وإذا توقف المسؤول الحكومى عن تعليق كل المشكلات على شماعة الإعلام، بينما ينحصر دور وسائل الإعلام على نقل الحقائق وكشف الفساد وتوضيح ما خفى عن القارئ العام، وهنا لابد من تحصين الممارسة الصحفية والإعلامية ما دامت لم تتجاوز حدود القانون وكذا إتاحة المعلومات أمام الصحفيين، حتى يستطيعوا أداء مهامهم على الوجه الأكمل
وللحديث بقية.