ما الذى يمكن أن يفرق بين حكومة وأخرى غير حجم وشكل السياسات والقرارات المتبعة، وأغلب المراقبين يعلمون أن المهندس شريف إسماعيل، خرج لأسباب صحية فى الأساس، وأنه لا اختلاف كبير بين حكومة شريف وحكومة الدكتور مدبولى، وبالطبع فإن الفروق سوف تظهر إن وجدت من الممارسة والتحركات والقدرة على اتخاذ القرارات.
الحكومة السابقة والحالية كلتاهما تتحدث عن استكمال القرارات الاقتصادية، وهى قرارات نفذت منها حكومة المهندس شريف إسماعيل، الجانب الأكبر وربما الأصعب، لكن هناك خطوات أخرى تحتاج إلى عمل وتحركات، وكما هو معروف فإن النظام الجديد للتعليم والتأمين الصحى الشامل، هما الأخطر والأكثر أهمية للحكومة الحالية، وأيضًا على الحكومة أن تسعى إلى إجراءات اجتماعية لعلاج آثار القرارات الاقتصادية الصعبة.
وبالطبع فإن أى قرارات اقتصادية تنتج عنها ارتفاعات فى الأسعار أو تقليل للدعم هى سياسات لا يمكن أن تحظى بشعبية، خاصة أنها قرارات مؤلمة كما أعلنت الحكومة السابقة والحالية. وربما يكون على حكومة المهندس مصطفى مدبولى، أن تسعى لإقناع الشارع أكثر بأهمية وضرورة هذه الإجراءات الصعبة. وأكثر ما يؤدى للإقناع أن يرى المواطن ثمار هذه الإجراءات فى صورة إنجازات وخفض موازنة وتخفيض فى مصروفات الحكومة وتقليل عجز الموازنة وسداد أقساط الديون الخارجية التى تمثل بالفعل عبئًا ضخمًا على الاقتصاد. وكل تحرك يترجم إلى خفض فى الأسعار، وتوفير فرص عمل هو بلا شك يمكن أن يضاف إلى حساب الحكومة الإيجابى.
ثم أن المهندس مصطفى مدبولى، لمع ونجح بناءً على ما تحقق فى ملف التعمير، إنجاز المشروعات الإنشائية فيما يتعلق بالطرق أو المبانى، ولهذا احتفظ مدبولى لنفسه بموقع وزير الإسكان والتعمير، وهو ملف صعب يحتاج هو الآخر إلى خطوات تتجاوز مجرد مضاعفة أعداد المبانى إلى خلق حالة من التوازن بين العرض والطلب وعدالة التوزيع فيما يتعلق بالإسكان.
صحيح أن مشروع الإسكان الاجتماعى يوفر عددًا من الشقق لمحدودى الدخل والشباب غير القادرين، لكن هناك أيضًا المدن والمشروعات المتعددة التى تطارد إعلاناتها المواطنين فى الفضائيات والإعلام عمومًا، وكلها تتحدث عن كومباوندات ومنتجعات بأسعار مبالغ فيها وتبدو فى بعض الأحيان مجرد فقاعات عقارية تخاطب قطاعات ضيقة من المواطنين.
الدولة تطرح الأراضى بشكل يساوى بين المواطنين، وبالتالى فالفرص متاحة للجميع لكن لا توجد أراضى يمكن القول بأنها متاحة للطبقة الوسطى أو المواطنين العاديين، وهو أمر يخلق نوعًا من المفارقة أن تتوفر أموال وسيولة كبيرة، وفى نفس الوقت تظل العقارات غير متاحة للأغلبية. وبالتالى تغيب عملية التوازن وتظل أعداد متزايدة من العقارات مغلقة ومجرد مخازن للقيمة المادية وفى المقابل لاتمثل قيمة استثمارية أو اقتصادية وهو ما قد يكرر أوضاعًا سابقة تتضمن نوعًا من الاختلال وتبتعد عن فكرة العدالة وتكافؤ الفرص.
كل هذه العناصر يفترض أن تشغل المهندس مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، وقد أصبح فى موقع أكثر شمولًا من وزير الإسكان والتعمير. وبالتالى يمكنه أن ينظر بشكل أشمل لملف الإسكان، وهنا تعود فكرة السياسة وأهميتها فى توسيع شكل النظر إلى الحكومة فهى لاتغير من قوانين الاقتصاد لكنها يمكن أن تخفف من أى اتجاه للاحتكار وتضاعف من الرقابة على السوق وحفظ المنافسة بعيدًا عن الاحتكار والمبالغة. هناك حاجة لسياسات لاتعتمد فقط على الربح والخسارة وإنما تقلل السمسرة لصالح منافسة حقيقية وتوسيع فرص المواطنين فى الحصول على مسكن مناسب بسعره الحقيقى وليس بسعر مبالغ فيه.
وفى حالة اتباع سياسات اجتماعية أوسع يمكن توسيع قدرة الطبقات الوسطى على الاستثمار، لأن السياسات الاجتماعية ليست فقط التى تعتمد على برامج التكافل أو الدعم لكنها تعتمد على توسيع قاعدة الملكية والتقليل من تركيز الثروة فى أيدى شريحة صغيرة.
من هنا فإن التفكير فى سياسات اجتماعية ربما يتضمن أيضًا حزمًا من الإجراءات تعيد توزيع الثروة بشكل أكثر توسعًا فى الإسكان وأيضًا فى دعم حقيقى فى المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهى عناوين أشار إليها الرئيس كثيرًا فى خطاباته وأعلن عن تخصيص 200 مليار للمشروعات الصغيرة والمتوسطة لكنها ظلت مجرد إطار نظرى لم يتحقق بشكل يساهم فى الاقتصاد.
وما يزال ملف المشروعات الصغيرة والمتوسطة بحاجة إلى عمل حقيقى يدفع بهذا الملف إلى الأمام، حتى لا يظل مجرد فكرة تتردد من دون أن تجد لها صدى أو انعكاس فى الواقع العملى.