نعم.. إنها قصة تروى، كنا فى السابق وحتى وقت ليس ببعيد يأتى المسؤول ليقوم بإزالة كل ما فعله سابقه من أعمال جيدة أو سيئة، ليس مهما نوع العمل إنما الأهم هو إزالته وتشويه من قام به.
سمعنا عن مسؤول رمى بأغراض سابقه فى ممرات المؤسسة، ومنهم من أرسلها إليه مع ساعى المكتب أو وضعها له فى مخزن ليقلل من أهميتها وقيمتها، ثم جاءت يناير بكل ما حملته معها من ظهور لتشوه مجتمعى وأخلاقى فى مصر، ولم تستطع رغم ما كانت تنادى به فى الشوارع والميادين من شعارات براقة، فى إقناع من وقف يهتف أو يخرّب أو حتى من كان ينتقد بأنها تملك رسالة أخلاقية أو حتى رسالة إلى الوالى مع الاعتذار للنجمين عادل إمام ويسرا.
هذا الشعب تعرض لما يشبه القنبلة الذرية، لكنها تؤثر فى السلوك والأخلاق وليست دمارا شاملا، فالقنبلة التى تعرضنا لها لا يمكن معالجة أرضها بسهولة أو عمل معادلات كيميائية لكى نصلح ما فسد فى الأرض كما فى القنبلة التقليدية.
المهم وحتى لا أطيل عليكم..
أتحدث عن صورة توقفنا أمامها كثيرا، وهى صورة ظهرت إبان التغيير الوزارى وخلال أداء اليمين الدستورية لحكومة الدكتور مصطفى مدبولى، خاصة ما يتعلق بتغيير وزيرى الدفاع والداخلية، إذ حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على أن يلتقى مع الوزيرين السابقين وكذا الوزيرين الجديدين، وهو ما أثار اهتماما كبيرا وحمل فى الوقت ذاته دلالات قوية على أن خدمة الوطن لا ترتبط بالمواقع أو المناصب، فهذا المشهد لم نألفه ولم نتعود عليه فى كل العصور السابقة، فكان المشهد كما كتبت فى بداية المقال، أو كان يتم الانتقال بين المسؤولين دون أى تماس سلبى أو إيجابى على أقصى تقدير.
فهذا المشهد الجميل وغير التقليدى للتعديلات الوزارية إنما يعتبر نتيجة أو انعكاسا لدولة 30 يونيو التى أرست قيما قانونية راسخة تعلى من مبادئ العمل الوطنى والإخلاص للأداء.
وسواء كان هذا المشهد تم بالصدفة وكان مشهدا اعتياديا أو قل روتينيا معبراً عما يسمى بـ«العقيدة» الراسخة فى قلوب ووجدان أبناء القوات المسلحة، وتقليدا أصيلا من تقاليد العسكرية المصرية، وهو مشهد تقدير القيادات وتبادل الأدوار واحترام العقيدة العسكرية التى تربى عليها أبناؤها منذ بدء الخطوات الأولى فى هذه المدرسة العظيمة وهى مدرسة العسكرية المصرية.
قدم هذا المشهد نموذجا فريدا لدولة المؤسسات، فما جرى يمكن وصفه بعملية تسليم وتسلم لراية القيادة فى وزارتى الدفاع والداخلية، حسب وصف الخبراء الذين أضافوا أيضا أن هذا المشهد يستحق كل تقدير واحترام.
الرئيس السيسى إنسان مؤمن بأنه من الضرورى الانتقال بمصر إلى أوضاع أفضل مما نحن فيه، كما يتمنى المصريون جميعا، فى وقت قياسى، وهو ما ينعكس على تغيير الدماء بين الحين والآخر، وهو ما انعكس فى التغييرات الأخيرة لضخ دماء جديدة فى عروق البيروقراطية المصرية والتى تصلبت شرايينها منذ فترة طويلة جراء بقاء المسؤولين فى مناصبهم فترات طويلة، نعم الرئيس كان حريصا على تجديد الدماء وتحريك المياه الراكدة بالمجىء بمسؤولين يستطيعون مواصلة متطلبات المرحلة الرئاسية الثانية، التى يرغب أن يحقق خلالها أهدافه وأهداف الشعب المصرى، خاصة أن فترة الرئاسة الأولى كانت مهمتها الأولى القضاء على الإرهاب وفرض الأمن والأمان وتحقيق الاستقرار للدولة المصرية، تجهيزا للانطلاق إلى الآفاق الجديدة المستهدفة، فالرئيس يعلم أن لكل جندى مهام معينة يؤديها فى التوقيت الذى تفرضة خطة المعركة خاصة موقعى وزراء الفترة الرئاسية الأولى فى وزارتى الدفاع والداخلية، فالرجلان بذلا جهودا خارقة حتى حققوا لمصر الأهداف المرجوة فكان حقا لهما الشكر ونيل راحة هما فى حاجة إليها، ولاشك أن الرئيس ارتأى ضرورة تجديد الدماء والفكر اللازم للأهداف المتجددة للمرحلة الجديدة للانطلاق بسرعة عالية لكون طموحات الوطن كبيرة للغاية والأعباء لاشك ليست قليلة، فإن تجديد الدماء يأتى بنجاحات كبيرة.
تنتظر حكومة مدبولى ملفات شائكة، منها ما أكده الرئيس السيسى أمام البرلمان، تتعلق بخطة بناء الإنسان، التى تحتاج إلى الحفاظ على مستوى دخل لتلبية احتياجاته، فى الوقت الذى يحبس الناس أنفاسهم لاستقبال موجات متتالية من تخفيض الدعم، وهو التحدى الذى يسعى مدبولى لموازنته، كى لا يزداد الحمل على المواطنين.
هذا المشهد ضرورى أن تستلهمه الأجيال القادمة، كما استلهمه مدبولى وكرره مع وزراء الصحة مثلا، هذه الصورة تعكس حالة مصر الجديدة بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى استطاع أن يحقق اللُّحمة الحقيقية للشعب المصرى قيادة وشعبا، إنه مشهد حضارى يوحى بأن مصر تسير فى الطريق الصحيح الذى يتمناه كل مصرى يبحث عن مستقبل مشرق لبلاده، فما حدث بمثابة «سباق تتابع» فالكل يعمل ونسلم الراية لبعضنا من وقت لآخر.
إن صورة اجتماع الرئيس عبدالفتاح السيسى بوزيرى الوزارتين السياديتين، الدفاع والداخلية، السابقين والحاليين، كتب رسائل قوية ومعنى أقوى عن مفهوم التغيير لدى دوائر صناع القرار المصرى، مفهوم التغيير الذى تطرق إليه السيسى فى حديثه إنما يعبر عن عقلية القادة، وإيمانه بأن التغيير سُنة الحياة، وليس التغيير من أجل التغيير، بل لإعطاء فرصة لآخرين لهم رؤية مختلفة فى القيادة وليسوا أقل جهدا من السابقين، فحكومة المهندس شريف إسماعيل لها ما لها وعليها ما عليها، عملت فى ظروف صعبة، وإجراءات الإصلاح الاقتصادى تحتاج إلى مزيد من الجهد والتغيير للوصول إلى مرحلة الأمان التى ذاق الشعب مرارة الوصول إليها، بتحمل أعباء اقتصادية تراكمت على أكتافنا طيلة 30 سنة سابقة، ندفع فاتورتها مجتمعة الآن.
فالرئيس يعطى الدرس دون كلام.. فقط بصورة تسليم راية الوطن لوزراء جدد، بظهور مشرف لمصر وتاريخها وقادتها.
فمضمون الرسالة التى أوصلتها صورة الرئيس مع الوزراء، كان قد أشار إليها فى جملة قالها بآخر خطابه باحتفالية وزراة الأوقاف بليلة القدر، ربما أشار إلى معناها فى محافل مختلفة وبطريقة مختلفة، إلا أنها حملت مضمون ما ترمى إليه عقلية متخذى القرار فى مصر، رئيس يعيش الواقع ويغيره للأفضل يزرع ويبنى فى مجتمع ملىء بالموهومين والعائشين فى فضاء مواقع التواصل الاجتماعى ويتخيل أنه يؤدى بمجرد مشاهدة عدد اللايكات التى تقوم بها خلايا تابعة له وهو يعرف ذلك ويصدقه لأنه لا يريد أن يفتح عينيه ليرى ما تحقق على الأرض التى حرقها بنفسه.
الصورة التى جمعت الرئيس مع أربع قامات وطنية بها ابتسامة من تم تقديره وخارج إلى أسرته مؤدٍ واجبه مرفوع الرأس مكرم رئاسيا ليحصل على- ربما- راحة مقاتل- بعض الوقت- ليكون مستعدا لمهمة جديدة سرعان ما بدأت بمهام جديدة كمستشارين للرئيس.
أما الابتسامة التى غابت عن الوزراء الجدد فهى تنم عن حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقهم- أعانهم الله- وهم مقاتلون ويعلمون حجم المعركة ومستعدون لها.