كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى بالعالم لاتنافسها أى لعبة، ويظل كأس العالم هو المنافسة الأكثر تأثيرًا وإثارة لاهتمام الجماهير. وهذه الجماهيرية هى التى تجعل كرة القدم مجالًا للمنافسات الاقتصادية، والتقاطع والتداخل مع البيزنس ودائمًا ما تكون هناك أطراف تسعى للاستفادة من اللعبة ومن نجومها، حتى لو على حساب المستوى الفنى للمنتخب.
اللاعبون يربحون، وهناك أطراف تحاول توظيفهم، فضائيات شركات ملابس ومشروبات وإعلانات، كل هؤلاء بالطبع لهم مصالح من اللعبة ومن اللاعبين. وكل هذا ينعكس فيما نراه من صراعات على مستوى العالم، وأيضًا على مستوى الاتحادات المحلية وليس اتحاد الكرة عندنا ببعيد. ومن الصعب إخفاء الكثير من التفاصيل والصراعات لأنها تتعلق بأطراف متعددة لكل طرف منها مصالحه ومطامعه وأهدافه.
وفى بعض الأحيان يدفع اللاعب ثمن خلافات وصراعات ليس طرفًا فيها، وليست حالة محمد صلاح ببعيدة عما يجرى فى اللعبة وماحولها، فقد وجد نفسه داخل خلاف لاعلاقة له به. هو نجم فى كرة القدم، وعلاقته بالجمهور، وعندما استقبله الرئيس الشيشانى رمضان قديروف، كان يتعامل كأحد معجبيه، وصلاح صاحب شعبية فى الشيشان كغيرها من دول العالم بما فيها روسيا.
صلاح وجد نفسه داخل صراع بين بريطانيا وروسيا، وجد صلاح نفسه فى مرمى هجوم الصحف البريطانية، لأنه قبل التكريم من الرئيس الشيشانى رمضان قديروف المقرب من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وهو المقصود بالتصعيد خاصة وهناك خلافات واتهامات متبادلة بين بريطانيا وروسيا. ومن التزايد تحميل محمد صلاح مسؤولية هذا الخلاف، ويسرب البريطانيون والأمريكان شائعات عن اعتزال صلاح للعب الدولى.
صلاح نجم غير مسبوق فى حجم التأثير والإعجاب وكأى نجم تسعى أطراف عديدة لاستغلاله دينيًا أو سياسيًا فى تفاصيل لاعلاقة له بها، ظل حريصًا طوال هذه السنوات أن يبقى بعيدًا عن الإعلام والخلافات والصراعات والتقاطعات، لكن هناك أطراف ضد صلاح فى كل مكان، هناك الغيرة والحسد ومن يحاول الاستفادة من نجوميته.
هؤلاء هم من ضخموا الأمور ووضعوا خطوطًا تحت كل جملة وتصرف لصلاح مع علمهم بأنه لاعلاقة له بهذا كله. وحتى عندما صرح أنه يعتذر للجمهور ويعدهم بالذهاب لكأس العالم المقبل، وأنها المرة الأولى ولاتوجد خبرات حاول البعض تفسير التصريح بشكل عكس المعلن.
بعد مباراة السعودية ظهر تصريح منسوب له أنه رفض الاحتفال بهدفه، كان واضحًا أن هدفه التهدئة فى مباراة ليست أساسية ولا يفترض تحويلها إلى تلاسن. لكن ظهر من يشكك ومن يقتطع من كلام صلاح، وادعاءات بأن صلاح يتعالى وأنه كان يلعب من دون حماس.
نحن أمام نجم هناك من يعاديه ويحاول تحطيمه، وعليه أن يدافع عن نفسه، ويستخدم ما هو متاح من أدوات لأن اللعبة لا تخلو من العنف خارج الملعب بشكل أكبر مما فى داخله.
ومن ادعوا أن صلاح تعامل بتعالى أو أصابه الغرور، أول من يعلم أنه تعرض لإصابة شديدة وخضع لعلاج مكثف، وكان التعب ظاهرًا عليه فى مباراة روسيا، وبالرغم من ذلك أحرز هدفًا فى روسيا، وهدفًا ثانيًا فى السعودية، ولا يمكن تجاهل حجم الضغوط التى تعرض لها، والتى لاشك انعكست على حالته النفسية وأدائه. ثم أن الحملة التى نظمتها جهات بريطانية حاولت تصفية حساب سياسى مع بوتين على حساب اللاعب، ونفخ فى الأمر خصوم صلاح وحساده وهم كثيرون.
ويقدر الجمهور لصلاح أنه لعب وهو مايزال تحت العلاج، وأنه خاض المباراة الأخيرة وهو تحت تأثير ضغوط الحملة البريطانية عليه. وربما كان يفترض أن يكون اتحاد الكرة والبعثة أكثر شعورًا بالمسؤولية ومواجهة المشكلات ومنع التداخلات، وتوفير الجو الأنسب للاعبين والفريق. الجمهور هو الذى نظم حملات للدفاع عن صلاح على السوشيال ميديا، وكشفوا أن هناك تربصًا بالنجم، ومحاولة استغلال مواقف وأحداث، ليس طرفًا فيها.
وكان يفترض أن يكون هناك منصة إعلامية تتعامل بشكل لحظى مع ما يثار من اتهامات أو أزمات، خاصة ونحن فى عصر الإعلام الكثيف، وكل كلمة أو تصرف تتحول إلى قضية أزمة واتهامات متبادلة. كان يمكن إصدار بيان دبلوماسى هادئ حول اختيار جروزنى، وأيضًا ما يتعلق بالاحتفاء الجماهيرى بمحمد صلاح. والرد بشكل دائم على مايثار حتى لايكبر ويتحول إلى «مكلمة» لكن هذا لم يحدث وتراكمت أخطاء التنظيم وإهمال الدور المنوط بالاتحاد تقديمه. وانتهى الأمر بالصورة التى ظهرنا عليها، ووصلت إلى حد التلاسن بين عضو اتحاد الكرة ورئيسه فى المؤتمر الصحفى الأخير. بشكل يسىء إلى صورة الاتحاد.
كل هذه أخطاء يتوقع أن تكون محل تحقيق حتى يمكن معرفة الأسباب التى أدت لما حدث. وأن يتم هذا بشكل مؤسسى بعيدًا عن التربص أو التهوين. حتى يمكننا تجاوز هذه التجربة لما هو أفضل.