لقد كان السبب الأساسي في تغيير سمات الرأسمالية المعتمدة على "احتكار القلة " أو "الأوليجوبولية" هو نمو قدرة المنتجين في بعض المجالات الانتاجية على التحكم في السوق وأسعاره ، والتحكم في كل ما له علاقة بالعملة الانتاجية في أنشطتهم ، بعد أن كانوا خاضعين لها .
وقد أدى ذلك إلى عدم تناسق في الانتاج على المستويين الداخلي والخارجي كما ذكرنا في مقالات سابقة ، حيث عملت النتائج الاجتماعية المترتبة على ذلك على أن تنجر الدولة – خلافاً لطبيعتها ورغباتها – إلى عملية الانتاج كي تحول دون استخدام أصحاب المؤسسات العملاقة سلطة الدولة لفرض أسعار شبه احتكارية ثابتة في الأسواق .
وقد تبع ذلك أن تسلح العمال والفلاحين بسلطة الدولة وقوتها لحماية أنفسهم ضد طغيان " الأوليجوبولية" في بلاد الغرب أو أمريكا والتي تسيطر فيها القلة المنتجة على إرادة الدولة. وهكذا فإن القدرة على التأثير في الأسعار أخذت تمتص الطبيعة التلقائية للتنظيم الذاتي في الاقتصاد ، ودعت الدولة كما ذكرنا للتدخل في النشاط الاقتصادي ، مما ترتب عليه نشوب صراح محترم حول تحديد ميادين النشاط الاقتصادي وقطاعات الانتاج التي امتدت إليها يد الدولة بالإنتاج .
الأمر الأخر أن روح التغيير هذه قد عملت أيضاً على توسيع الهوة بين الملكية والادارة في الانتاج ، وساعدت باستمرار على تباعدهما وذلك لصالح العملية الانتاجية وحقوق العمال ، وأدت إلى ان تصبح طبيعة تراكم رأس المال أقرب إلى الجماعية منها إلى الفردية ، وهو ما يجعل من مجالس ادارات تلك المؤسسات أكثر حيادية في اتخاذ القرارات ، بحيث لا تذهب القرارات في صالح الملاك على حساب العاملين والعكس بالعكس . وقد مكن تزايد دمج المجتمع العلماء النظريين من قياس أبعاد ذلك المجتمع وبالتالي من فهمه وتوجيهه إلى القدر المنصف للجميع في تحقيق العدالة الاجتماعية والرفاهية الاقتصادية.
وبذلك اتصفت تلك المرحلة المعاصرة من الرأسمالية بهبوب رياح التغيير العاصفة من كل أفق ، مما دفع المجتمع إلى أعلى درجة من التوجيه ، وجعل هذا التوجيه الزامياً غائباً ، يستهدف جعل الأوليجوبولية أو رأسمالية القلة في المرحلة الأخيرة في خدمة مصالح مجموع الشعب ، لا القلة المنتجة وتوابعها ، الأمر الذي عدل جزئياً ميزان الاقتصاد المختل ليحقق قدر من التوازن الاقتصادي والعدل الاجتماعي في دول الغرب وأمريكا.
• أستاذ الاقتصاد السياسي والمالية العامة – جامعة القاهرة .