من المبهج أن يجد الواحد محافظا مثل المهندس عاطف عبدالحميد محافظ القاهرة يتحدث بشغف حقيقى عن تاريخ العاصمة بشكل يؤكد أنه يدرك ما لعاصمة مصر من عمق حضارى كبير وأثر فنى وأدبى مهول، وقد ظهر هذا الإدارك العميق فى اهتمامه بالقاهرة الخديوية التى تحدث عنها أكثر من مرة بشكل يوحى بأنه مؤمن بقيمة الحالة الحضارية التى صنعها الخديو إسماعيل ملما بالتفاصيل التاريخية التى صنعت حضارة مصر الحديثة، وفى الحقيقة فقد أسعدنى أن يتبنى المحافظ فكرة وضع تمثال للخديو إسماعيل فى العاصمة التى أنشأها، وأسعدتنى أيضا تلك النبرة الحماسية التى انتابته وهو يتحدث عن فضل هذا الخديو صاحب المشاريع التحديثية العملاقة.
نعود إلى مسألة وضع تمثال للخديو إسماعيل فى العاصمة التى أنشأها والتى قرأت بخصوصها تصريحا منسوبا للمدير التنفيذى لوحدة إنتاج النماذج الأثرية بوزارة الآثار الدكتور عمرو الطيبى، يقول فيه إن الوحدة انتهت من معاينة تمثال «الخديو إسماعيل» الموجود حاليا بمنطقة كوم الدكة بمحافظة الإسكندرية، حيث سيتم تنفيذ نسخة طبق الأصل منه لوضعه فى الساحة الكبرى أمام قصر عابدين بمحافظة القاهرة، وأن محافظة القاهرة فى إطار احتفالها بمرور 150 عاما على إنشاء القاهرة الخديوية، اتفقت مع وزارة الآثار على تنفيذ نموذج طبق الأصل من تمثال «الخديو إسماعيل» بالإسكندرية، مشيرا إلى أن تكلفة التمثال ستكون مناصفة بين محافظة القاهرة والوزارة، وتمثال «الخديو إسماعيل» المشار إليه هنا صنعه النحات الإيطالى «بيترو كالونيكا»، وفى الحقيقة فإنى برغم سعادتى بفكرة وضع التمثال معتبرا هذا القرار قرارا مستنيرا فإنى أرى أن مسألة استنساخ تمثال «كالونيكا» أمرا غير مستساغ، لأنه أولا وأخيرا نسخة من تمثال وليس تمثالا أصليا، كما أن مبدعه ليس مصريا، وفكرة وضع تمثال واحد لفنان غير مصرى فى أكبر محافظتين فى مصر توحى بأن مصر عقمت عن إنجاب فنانين حقيقيين، فهل هذا ما نريد؟
أخيرا إليك هذه المفاجأة: لماذا نصنع نسخة من تمثال أوروبى لنضعه فى ميداننا، ليكلفنا أمولا طائلة ويصمنا بالجفاف الفنى فى حين أن للخديو إسماعيل تمثالا ميدانيا عظيما على قدر كبير من الجودة والجمال؟ وقد كان من المفترض أن يوضع هذا التمثال فى ميدان التحرير لولا قيام ثورة يوليو التى كانت على عداء مع عائلة محمد على، فأبعدت التمثال إلى المتحف الحربى وبقيت القاعدة الجرانيتية التى كانت مخصصة له بغير تمثال، وبالمناسبة فإن هذه القاعدة الجرانيتية محفوظة الآن فى مخازن محافظة القاهرة، والتمثال فى المتحف الحربى، فلماذا لا نصل ما انقطع من التاريخ، ونرد الفضل لأهله، ونحتفى بفنانينا العظماء فى ذات الوقت؟
نشر هذا المقال فى الثلاثاء 22 أغسطس 2017 وللأسف لم أتلق استجابة حتى الآن.